إن الوزير علي بن عيسى بن الجراح في أيام تقلده الدواوين من قبل المقتدر بالله وتدبير المملكة في أيام وزارة حامد بن أبي العباس وقع إلى والده سنان بن ثابت في سنة كثرت فيها الأمراض جداً وكان سنان يتقلد البيمارستانات ببغداد وغيرها توقيعا جاء فيه:(فكرت مد الله في عمرك في أمر من في الحبوس وأنهم لا يخلون مع كثرة عددهم وجفاء أماكنهم أما كنهم أن تنالهم الأمراض وهم معوقون عن التصرف في منافعهم ولقاء من يشاورونه من الأطباء في أمراضهم فينبغي أكرمك الله أن تفرد لهم أطباء يدخلون إليهم في كل يوم ويحملون معهم الأدوية والأشربة وما يحتاجون إليه من المزورات (والمزورات هي حساء من الخضر دون الحم أو دسم أو البهريز ويعالجوا من فيها من المرضى ويريحوا عللهم فيما يصنعونه لهم إن شاء الله تعالى) ففعل سنان ذلك.
ثم وقع إليه توقيعا آخر:
(فكرت في من بالسواد من أهله وأنه لا يخلو من أن يكون فيه مرضى لا يشرف متطبب عليهم لخلو السواد من الأطباء، فتقدم مد الله في عمرك بإيفاد متطببين وخزانة من الأدوية والأشربة يطوفون السواد ويقيمون في كل صقع منه مدة ما تدعو الحاجة إلى مقامهم ويعالجون من فيه ثم ينتقلون إلى غيره).
فنفذ سنان هذا الأمر وانتهى أصحابه إلى (سورا) من بلاد العراق وكان معظم أهلها من اليهود فكتب سنان إلى الوزير يخبره أن بعض أصحابه كتب إليه من السواد يستأذنه في المقام هناك لعلاجهم أو الانصراف عنهم إلى غيرهم وإنه لا يعلم بم يجيبهم لأنه لا يعرف رأيه في أهل الذمة. وقد عرض عليه في كتابه هذا أن الطريقة المتبعة في بيمارستان الحضرة هي علاج الملي والذمي؛ فوقع له الوزير توقيعا أخبره فيه أن يقدم معالجة المسلمين على أهل الذمة، فإذا فضل عن المسلمين ما لا يحتاجون إليه صرف في الطبقة التي بعدهم - أي أهل الذمة - وقال (فاعمل أكرمك الله على ذلك واكتب إلى أصحابك به ووص بالتنقل في القرى والمواضع التي فيهاالأدباء الكثيرة والأمراض الفاشية).
وكانت عادة السلاطين في دولة المماليك أنهم عند ما كانوا يخرجون إلى القصور التي كانوا قد بنوها خارج المدن للإقامة أياما فيها، أن يصحبهم في السفر غالبا حاشية من الأمراء والأعيان ومعهم كل ما تدعو إليه الحاجة حتى يكاد يكون معه بيمارستان كامل لكثرة من