للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وبها الماء والنور!!

ولم يقع اختيار الحكومة على هذه البقعة اعتباطاً، ولكنها اضطرت إلى إنشاء المركز الجديد اضطراراً، ولذلك قصة طريفة، نجملها فيما يأتي!!

كانت بلدة (الدر) قبل سنة ثلاث وثلاثين وتسعمائة وألف مقر المركز، وأهم موضع في بلاد النوبة على الإطلاق، وكيف لا، وبها دور الحكمة، ودواوينها: مدرسة ابتدائية لها قيمتها في ذلك الوقت. . ثم أغرقت بلدة الدر ضمن ما أغرق من البلدان النوبية بسبب التعلية الثانية، وغمرت مياه الخزان بناء المركز وبقية دور الحكمة جمعاء. . وأرادت الحكومة أن تنشئ بنايات جديدة لمرافقها المختلفة في البلدة نفسها ولكن في مكان مرتفع عن منسوب المياه مهما طغت وكثرت. بيد أنها فوجئت من الأهليين بالمعارضة القوية الصارمة، والرفض الشديد، مما أثار الدهشة والحيرة، والتساؤل والارتباك، ولكن الحكومة إزاء هذا التصميم، لم تجد بداً من الالتجاء إلى بلدة أخرى غير الدر، غير أنها باءت بالفشل، ووجدت الرفض نفسه، والمعارضة التي لم يفلح معها إقناع بحال من الأحوال، وهكذا وقف عمد أربعين بلدة من بلدان النوبة هذا الموقف بعينه، ولم يقبل واحد منهم، ووراءه أهل بلدته بما لهم من سطوة ونفوذ أن يكون مقر المركز من نصيب بلدته، وكأنما هو الخطب الداهم، والشر المستطير!!

وغفل كثيرون عن سبب هذا، وفهمه العارفون، أدركوا سره وحمدوا هذا الموقف للنوبيين، لأنه يرهن على اعتزازهم بشرفهم، وحرصهم على حماية أعراضهم، من أولئك الذين لا يفهمون واجبهم نحو ربهم، ونحو أنفسهم، فيستجيبوا دائما لداعي الغريزة، ويلبون نداء الشهوة، ويعيشون في الأرض فساداً، ولا يبالون بأعراض الناس. إن هؤلاء أساءوا إساءة بالغة إلى أنفسهم أولا، وإلى مناطقهم وبلداتهم ثانيا، وكانوا شر قدوة، وأسوأ أسوة!!. .

يا لله! لقد شافهت الكثير من أهل هذه البلاد، وخاطبتهم في هذا الموضوع، فأبرقت منهم العيون، وعادت بهم الذكرى تعيد الصور مكرورة، وتبعث الأشجان محفورة في الأفئدة والصدور، وكأنهم يعتقدون أن الله أنقذ بمياه الخزان بلدة الدر، وطهرها من الرجس، حينما خلصها من شر الموظفين، وإن بعض الأهلين يعتقد أن بلدة الدر خسرت بذلك سوقا رائجة، وتجارة نافعة، وحركة دائبة!!. . .

<<  <  ج:
ص:  >  >>