ساعتين استأثر في خلالهما بانتباه الحاضرين من الأدباء والمتأدبين على رغم الإطالة والحر. . .
ومما تناوله الدكتور ناجي في هذه المحاضرة شرح العملية الأدبية من الوجهة النفسية، إذ قال:
(نحن نعيش في ثلاثة عوالم: العالم الخارجي، والعالم الشعوري، والعالم اللاشعوري؛ أو عالم الحقيقة، وعالم الشعور، وعالم الخيال. وهذه العوالم في دنيانا العملية تكاد تكون منفصلة تماما، أو على الأقل بينها اتصال غير كامل. أما العالم الخارجي، ففيه المواد التي تستمد منها التجربة، ولكن وجود التجربة وحدها لا يكفي بغير أن يزول ما بينها العقل الواعي من فواصل، فيؤدى ذلك إلى اندماجها بالشعور حتى يحدث ما يسمى لحظة انفعال. على أن هذه اللحظة تستوعب التجربة صورة موحدة وأنموذجا كاملا، فلا يلتقطها الشعور متفرقة مبعثرة؛ فإذا انزاحت الفواصل بين الشعور واللاشعور، فإن اللحظة الانفعالية تصير انفعالية ممتدة الزمن، وزيادة على ذلك يستوعب الانفعال التجربة كخليط معقد متعدد الجوانب، وهذا ما يجعله مثيراً ومشتملا، ويجعل الأدب متوثبا لاستيعاب الانفعال والسيطرة عليه، ومنتهزاً فرصته لكي يتاح له أن يستعيد هذه الصورة الحسية الغنية بالألوان، ولن يتاح له ذلك إلا في وقت يحس فيه انه على وشك وقت اختلاط الشعور باللاشعور. . . الشعور يغزو اللاشعور، واللاشعور يطفو بأحلامه وضبابه في الشعور، هذه لحظة تحرر كاملة تفسر لنا السرور الذي نشعر به إذ ذاك. أما الشعور فهو تحليلي في نزعته، وأما اللاشعور فهو تركيب. فالشعور يتسلم التجربة ويحيلها قطعا، ثم يسلمها إلى اللاشعور الذي يعيد تركيبها، ولكنه يعيدها ومعها فروق وتدريجات وألوان وأصباغ وأضواء وظلال، كالآفاق التي تبدون في الحلم تماما. وذلك لأن اللاشعور طبقات وإمكانيات، وهو يعطي بالتدريج، ويغري باقتحامات جديدة. وقد يسأل السائل: ألم يكن من الجائز انتهاز فرصة التجسد الشعوري لخلق عمل فني؟ فنجيب بأن التجسد الأول إنما هو تضخم متعب قد يؤدي إلى الانتحار أو الجنون، أما التجسد الأخير فهو تجسد مخفف تدريجي يطفو في وسط الألوان والأضواء، وفيه شعور بالتحرر المنظم، وفيه كذلك شعور بالتحرر من قيود العرف، ولذلك يصلح التعبير دائما في هدوء الليل وفي الوحدة البعيدة عن العالم. ويتضح