وربما كان تاريخ لنكولن كله رهنا بسر هذا الاختلاف بين نزعة المعرفة في أمه، ونزعة المرح في أبيه، ولا شك أننا نعرف الشيء الكثير عن هذا السر متى عرفنا أن هذه النزعة في أمه موروثة متأصلة، لأنها من سلالة غير شرعية لفتاة نسيت في سبيل المعرفة نفسها ومستقبلها. وقد أشار هر ندون - وهو حجة في تاريخ لنكولن - إلى هذه القصة وظهر بعد ذلك كتاب (لنكولن المجهول) لديل كارنيجي فزادها تفصيلاً وجاء قيها بما يغنى في هذا المقام
أما مصرع لنكولن فالكلام فيه عن القاتل أهم من الكلام عن الحادث - لان حادث القتل قد يقع في كل قطر من أقطار الأرض، وقد تكون الخصومة السياسية سبباً في اغتيال الساسة في كل ثورة من ثورات الأمم، ولكن الدوافع التي نزعت بقاتل لنكولن إلى فعلته لا تعهد في غير الحياة الأمريكية وفي غير بدورات المغامرة التي اشهر بها طلاب الظهور في القارة لا جديدة ولا يزالون يشتهرون بها لحد ألان.
فقد كان للرئيس العظيم أعداء كثيرون يودون قتله لتحقيق مطالب أهل الجنوب، ولكن المثل الفاشل الذي قتله - وهو جون ويلكزبوث - لم يكن صاحب رأي ولا صاحب غيرة وطنية، ولا كلن من همه فض الاتحاد الجمهوري أو توسيع حقوق الولايات؛ ولكنه كان فتى وسيماً وممثل عظيم، وكان أبوه جونيوس بروتس اقدر المثلين لأدوار شكسبير، وكان إلى جانب ذلك مثلاً في الصلح والاستقامة والرحمة بجميع خلائق الله، وكان من اجل ذلك يحرر أكل اللحوم ويتجنب إزهاق الحياة ولو كانت حياة أفعى أو حشرة مؤذية. فإذا بولده يقتل اعظم رجل في بلاده لان وسامته جفت عليه وصرفته عن إتقان التمثيل على المسرح إلى إتقان التمثل في موقف الغرام، فتخلف عن زملائه فخطأته الشهرة في ميدانه واحب أن يعوض ما فاته منها بمسرحية تاريخية تطفي على كل مسرحية فنية ينبه بها شأن نابغة من نوابغ لا تمثيل. ولم يكن من قصده في بادئ الأمر أن يزهق حياة الرئيس، وأما خطر له انه يستطيع أن يختطفه ويحمله إلى الجنوب ويسلمه إلى الولايات لا جنوبية لتملى شروطها على ولايات الشمال كما تريد.
وما هو إلا أن فرغ من تدبير هذه المسرحية حتى فوجئ بتسليم قادة الجنوب وضاع كل