الحياة؟ انسيه كما نسي هو زوجته وابنته من قلبك!. فكري في مستقبلك وشبابك ونضارتك.
كلاره!.
أنت وحيد وان وحيد. فلماذا ما نعمل معاً على إزالة آلام وحدتنا هذه؟. أن اكسب من عملي شهرياً خمسة عشر جنيهاً، وأنت تكسبين من عملك شهرياً عشرة جنيهات. فلماذا لا تصير معاً خمسة وعشرون جنيهاً؟!.
أجيبي أيتها العزيزة. أجيبي هذا القلب الكسير. وآمل أن أتلقى ردك بالبريد حتى أتحمل الصدمة، السارة أو المؤلمة، برباطة جاش).
من المخلص لك أبداً
(. . .)
وبعد أن قرأت السيدة غريغوري هذه الرسالة ذهبت بنفسها إلى حيث يعمل مرسلها وقالت له: تلقيت رسالتك، أما جوابي فهاكه. وعركت الرسالة بيدها، ثم قذفت بها في الهواء، وانصرفت تاركة كاتب الرسائل في حيرة وذهول شديدين.
الخاطب القيصري:
وكان الخاطب الثالث ضابطاً روسياً من ضباط القيصر نيقولا الثاني، يدعى إيفان بوغاتيرسكي، وهو رجل في حدود عمر الأب غريغوري تقريباً، وشاربان طويلان، ولحية متدلية من الحدين دون الذقن.
فبينما كانت السيدة غريغوري في عصر يوم تجلس إلى جانب النافذة تقلب ما تركه المرحوم زوجها من آثار أدبية، إذ بباب دارها يقرع قرعاً خفيفاً. ولما فتحته وجدت نفسها أمام ضابط روسي قديم، يحمل بيد علبة حلوى وباقة زهور، ويحمل باليد الأخرى بقعته ومنديله. وبادر السيدة غريغوري قائلاً: وقد اشتركت معه في معركة تاننبرغ سنة ١٩١٨، وتذوقنا البؤس معاً في أزقة مونمارتر بباريس سنة ١٩٢٥. ورحلنا إلى فلسطين في باخرة واحدة، فصار هو قساً، وبقيت أنا آمني النفس بالعودة إلى روسيا.
فاضطربت السيدة غريغوري قليلاً، وأذنت لهذه الشخصية الغامضة بالدخول.
وبعد أن قدم الزائر الزهور وعلبة الحلوى لصاحبة البيت، اطرق قليلاً، ثم انحدرت دمعة على خده فمسحها بمنديله وقال وهو يتنهد: رحمك الله ياغريغوري! لقد كنت اعز صديق