للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وكان الطبيب يدور على المرضى بالبيمارستانات ويتفقد أحوالهم ويصف لكل منهم علاجه وبعد فراغه من ذلك فيجلس في مجلس خاص في البيمارستانات ويحضر كتب الاشتغال وكان جماعة من الأطباء والمشتغلين يأتون أليه ويقعدون بين يديه ثم يجرى مباحث طبية ويقرئ التلاميذ ولا يزال معهم في اشتغال ومباحثة ونظر في الكتب مدة ثم يركب إلى داره.

وكانت هذه الطريقة للتدريس هي للتلاميذ المبتدئين؛ أما المشتغلين في الطب والمطلعون على كتبه ومن لهم بعض الاختبارات في البيمارستانات فكانوا يحضرون مجلس درس الأستاذ ساعات كل يوم فيجري البحث عن المواضيع الطبية المشكلة أو النادرة ويتداولون فيها علمياً وفنياً بكل حرية.

وقد كان النظر في بول المريض، وكانوا يسمعونه (القارورة)، والاستنتاج من نظره ويسمونه (التفسرة)، من الأمور الشائعة ولم يكن الأطباء يغفلون عنه.

وكانت للأطباء العرب في هذا الباب مهارة كبيرة تدل على قوة استدلالهم وحسن استنتاجهم.

يقول ابن أبي أصيبعة: (أراد الرشيد أن يمتحن بختيشوع الطبيب أمام جماعة من الأطباء فقال الرشيد لبعض الخدم: (أحضره ماء دابة حتى نجربه) فمضى الخادم فاحضر قارورة الماء، فلما رآه قال: (يا أمير المؤمنين ليس هذا بول إنسان) قال له أبو قريش وقد كان حاضراً: كذبت هذا ماء حظية الخليفة) فقال له بختيشوع (لك أقول أيها الشيخ الكريم، لم يبل هذا إنسان البتة، وان كان الأمر على ما قلت فلعلها صارت يهيمة) فقال له الخليفة (من أين علمت انه ليس ببول إنسان؟ قال بختيشوع (لأنه ليس له قوام بول الناس ولا لونه ولا ريحه) ثم التفت الخليفة إلى بختيشوع فقال له (ما ترى أن نطعم صاحب هذا الماء) فقال: (شعيراً جيداً) فضحك الرشيد ضحكاً شديداً أمر فخلع عليه خلعة حسنة جليلة ووهب له مالاً وافراً وقال (بختيشوع يكون رئيس الأطباء كلهم وله يسمعون ويطيعون).

والخلاصة أن البيمارستانات لم تكن أعمالها قاصرة على معالجة المرضى فحسب، بل أنها كانت تقوم مقام مدارس الطب يتخرج منها الأطباء والكحالون والجراحون والمجبرون.

وكان لكل بيمارستان خزانة كتب أو مكتبة تحوي كثيراً من الكتب كانت في متناول كل

<<  <  ج:
ص:  >  >>