للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

طالب علم؛ وكان طالب الطب في أول عهد الدولة الإسلامية بعد أن يتلقى أصول الطب على بعض مشاهير الأطباء ويقوم باختبارات شخصية وتجارب عملية كافية ويجد في نفسه القدرة على مزاولة الطب يباشرها بعد أن يجيزه بعض الأطباء النابهين في زمانه أو رئيس أطباء البيمارستان الذي كان يشتغل فيه.

ولم تكن هناك في تول الأمر قيود خاصة أو امتحانات منظمة لإعطاء إجازة التطبب؛ وان أول من نظم هذه الصناعة أتخضعها لنظام خاص في تأدية امتحان للحصول على إجازة التطبب هو المقتدر الخليفة العباسي، وكان ذلك في سنة ٢١٩هـ. والسبب الذي يدعى الخليفة إلى هذا العمل حَسَبَ رواية ابن أبي أصيبعة هوانه اتصل به غلطاً جرى على رجل من العامة من بعض المتطببين فمات الرجل، فأمر الخليفة المحتسب بمنع سائر المتطببين من التصرف إلا من امتحنه سنان بن ثابت بن قرة رئيس الأطباء وطبيب الخليفة الخاص، وكتب له قطعة بخطه بما يطلق له التصرف فيه من الصناعة. وبلغ عدد من ترددوا إلى سنان وامتحنهم أطلق لكل واحد منهم ما يصلح التصرف فيه من الصناعة ثمانمائة رجل نيفاً وستين رجل في جانبي بغداد سوى من استغنى عنه عن محنته باشتهاره بالتقدم في صناعته وسوى من كان في خدمة السلطان.

وكان سنان بن ثابت يمتحنهم فيسال كلاً منهم بعض الأسئلة الطبية ويعرف معارفه ودرجة تمكنه في الصناعة، فيحدد له حدوداً يجيزه أن يتصرف ضمنها لا يتجاوزها.

وكانت الامتحانات الطبية في ذلك العهد بسيطة جداً فيها كثير من التسامح والتساهل. يروى انه دخل يوماً في مجلس سنان بن قرة كهل موقر مهيب الطلعة عليه سيماء أهل العلم ولباسهم فاخذ مكانه في جانب من المجلس، وكان مظهره يدل على انه من أجلة العلماء. وبعد أن انتهى سنان من درسه ومعالجة المرض خاطب تلاميذه قائلاً: (علنا الآن الاستفادة من فضائل نولانا الشيخ، ولنستمع لجوامع كلمة لتبقى لدينا تذكاراً لتشريقه هذا المجلس). ثم سال الشيخ عن اسم أستاذه فأخرج الشيخ من جيبه بدرة من المال وضعها أمام سنان وقال لست يا سيدي من العلماء؛ لكني رب أسرة أريد أن أعيلها عن طريق التطبب. فاشترط عليه سنان أن يكون محتاطاً في عمله فلا يفصد أحداً ولا يعطي من المسهلات إلا الأنواع الساذجة البسيطة منها. فقال الشيخ كانت هذه ولا تزال طريقتي في التطبب فأني لم

<<  <  ج:
ص:  >  >>