المقدس كان قبلة إبراهيم، فنزل قول الله تعالى:(سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها؟ قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم) وقد حاول النبي أن يفهمهم أن لله المشرق والمغرب، ولكنهم سفهاء، فما يهتدون (ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك، وما أنت بتابع قبلتهم، وما بعضهم بتابع قبلة بعض). ثم كان انتصار المسلمين في غزوة بدر الكبرى، فدخل الحق والحسد إلى قلوبهم، وقال كبراؤهم:(بطن الأرض اليوم خير من ظهرها) ثم نقضوا العهد.
ثم عاد النبي بني قريظة ألا يمالئوا عليه فنكثوا وأعانوا مشركي مكة بالسلاح، وقالوا نسينا وأخطأنا، ثم عاهدهم فنكثوا، ومالوا مع المشركين يوم الخندق، وانطلق كعب بن الأشرف إلى مكة فحالفهم، فأنزل الله فيهم قواصم الظهور (إن شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون، الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون) وهكذا يدمغهم في وضوح وقوة، فهم كلما عاهدوا عهداً نبذه فريق منهم، وهم ينقضون عهدهم في كل مرة، فليس على النبي ولا على المؤمنين من حرج إذا مزقوهم كل ممزق (فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم لعلهم يذكرون، وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين).
وكيف يرجى من هؤلاء اليهود الخير، أو يوثق لهم بعهد، وهم يتنكرون لدينهم ويفضلون الوثنية على التوحيد في سبيل مطامعهم الدنيئة، ومآربهم الخسيسة، حتى وقعوا فيما لا يقع فيه ذو عقل وخلق. ذكروا أن وفداً من قريش جاء إلى اليهود وحادثهم في شأن الدين (وقالت قريش لليهود: يا معشر يهود! أنتم أهل الكتاب الأول، وأهل العلم بما أصبحنا نختلف فيه نحن ومحمد، أفديننا خير أم دينه؟ قال اليهود: بل دينكم خير من دينه، وأنتم أولى بالحق منه!) وإلى ذلك يشير القرآن الكريم في قوله تعالى: (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا، أولئك الذين لعنهم الله، ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا).
ولم يرض مؤرخ يهودي عن هذا الموقف المخزي من اليهود، ذلك هو الدكتور ولفنسون مؤلف كتاب (تاريخ اليهود في بلاد العرب) فقد علق على ذلك بقوله: (كان من واجب هؤلاء اليهود ألا يتورطوا في مثل هذه الخطأ الفاحش، وألا يصرحوا أمام زعماء قريش