إلى ساحل البحر بمن بقي معه. ثم أرسلت فرنسة المارشال كلوزيل والدوك دورليان ولي عهد ملك فرنسة إلى الجزائر مع الجند والعتاد نجدة وإمداداً لمن هناك ممن عجزوا عن مكافحة الأمير، فكانت الحرب بينهم سجالا في عدة وقائع، ثم تغلب عليه العدو لوفرة عَدده وقوَة عدده، فاستولوا على حاضرة الأمارة. ثم لمَّ الأمير شعثه واستجمع قوته، ونازل عدوه واسترد الحاضرة، ثم ظهر عدوه عليه مرة ثانية وغزا تلمسان، فحصره الأمير وانقض عليه
ويذكر المؤرخ إسكندر بالمار شديد عجبه من استجماع الأمير قوته ورجوعه إلى حاله الأولى بعد أن اضمحلت ثلاث مرات، وكل واحدة منها كافية لسقوط أعظم سلطان راسخ القدم.
وقال تشرشل في تاريخه: بعد أن سرد تاريخ حروب الأمير مع فرنسة: إن هذه الأعمال كبيرة جداً بالنسبة إلى سن الأمير وكان في الخامسة والعشرين مع عدم الاطلاع على أحوال العالم، لكنها صغيرة بالنسبة إلى ذكائه الفريد. ويعجب العاقل متى سمع أن دولة فرنسه احتاجت إلى مائة ألف عسكري تقاتل بها الأمير عدا المساعدات الداخلية والخارجية. . . مع أن الأمير لم تزد قواته على عشرة آلاف مقاتل.
ولما تواطأ العدو مع جيران الأمير على خذلانه، وتوالت النجدات للجيوش الفرنسية التي تقاتله مع فيض من السلاح والذخيرة ضعف أمره، واستولى العدو على المدن والقلاع، فاتخذ الأمير عاصمة كبيرة متنقلة مؤلفة من خيام كثيرة ومضارب وثيرة، وسمى ما يخصه منها (الزمالة) وما يخص الأعيان والعامة (الدائرة) وما يخص الجند (المحلة)، واتخذ جملة مضارب لمصانع السلاح، وأعد فسطاطاً واسعاً لاجتماع المجلس العام، وآخر جعله مسجداً ورتب مضارب للباعة وأهل السوق، تضرب بعيدة عن الزمالة والدائرة. . .
ويقول روا في تاريخه: إن الأمير عبد القادر كان لا يمل من التعب ولا يكل من الحرب ومشقاتها، وكان يشاهد انتصارات فرنسة، ولا يرى نفسه مغلوباً لها. واستمال بحكمته قلوب كثير من القبائل رغبة ورهبة وصاروا في جيوشه. وقال تشرشل: لما رأى الفرنسيون ذلك بادروا بذر الذهب والفضة رشوة لزعماء القبائل، فلم يجدهم ذلك نفعاً. . .
وكان في بضع معاركه يقيم مع كثير من فرسانه في جهات بعيدة عن جيوشه، وينفد زادهم