فيضطروا أن يقتاتوا بالبلوط، ثم يعثرون على خروف فيقدمونه إلى الأمير فيؤثر جنوده به مع أنهم في المخمصة سواء. وكان العدو يبذل كل شيء في سبيل نقض الزمالة مقر الأمير وبيت ماله فركبوا الأهوال من أجل ذلك. وبعد معارك عنيفة وبعد أن انتقل بها الأمير إلى أراض قاسية استطاعوا أن يكتسحوها، فحزن الأمير لذلك ولكنه لم يهن بل قال: سبحان الله! كل شيء كنا نحبه وتعلقت أفكارنا به كان يعوق حركاتنا ويحول دون الوصول إلى مطلوبنا، والآن صرنا أحراراً متجردين لا شغل لنا إلا مقارعة الأعداء ومصاولتهم ومن فقدناه من الرجال فهم شهداء في الفردوس ونعيمه، وأما الأموال فسيخلفها الكريم الوهاب، ويجب أن لا نجبن بل نكون أشد ما كنا أملا.
وبعد استيلاء العدو على حاضرة الأمير (معسكر) خطر للأمير مرة أن يدهمها فزحف عليها بجيش قليل من عدده، كبير في شجاعته وإيمانه، فخرج إليه الأمير الاي جيري بجيشه وانضم إليهم الجنرال بيدو والأمير الاي تاميور ومعهما الفرق التي كانت في تلمسان، ولحقت بهم الفرق التي كانت في قسطنتينة، والأمير في قلة من الجيش والذخيرة، فحمى وطيس الحرب بينهم فطوقوا جيش الأمير، فأبلى الأمير ومن معه بلاء حسناً، فأصيب جواد الأمير، فدافع عنه قومه واستشهد بسبب ذلك عدد منهم، وركب الأمير جوداً آخر ونجا مع بعض قومه، وحال الليل بينهم وبين باقي جند الأمير، فأشاع المرجفون أن الأمير استشهد فقالت شقيقته لوجوه القوم: إن فقد شقيقي وذهب فإن كفاحكم ودفاعكم عن الدين والوطن باق في عنقكم إلى الأبد. فأثارت فيهم روح الشجاعة والفتوة.
وكان من عادة الأمير أن يلقى العدو وهو في طليعة الجيش، ومع ذلك فلم يصب في جسمه سوى مرة واحدة؛ فقد مسحت رصاصة طرفاً من أذنه اليمنى، فصلى لذلك ركعتي الشكر لله على ما أصابه في سبيله. وكان بعضهم يظن أنه يتخذ حجباً وتعاويذ تقيه الأذى فأخبرهم أنه لا يعوذ نفسه إلا بما ورد في السنة من الأذكار المشهورة.
ولجأ الأمير في عاقبة أمره إلى حرب العصابات فكان يظهر في اليوم الواحد في غدوته في مكان، وفي عشيته في آخر بعيد عنه كل البعد. قال تشرشل: لقد عجب الفرنسيون من بسالة الأمير عبد القادر وسرعة اختفائه هو ومن معه، وذكرت ذلك في بعض المحافل السياسية مدهوشاً من أمره فشهد له بعض القواد بعجيب البسالة والحماسة والثبات مع