يزال مخطوطاً مقيما في دار الكتب، يعاني القارئ فيه ما يعاني في فك طلاسم الخط، وترجيح ما يراه في المشكل من حروفه. ولرداءة رسمها أو غرابته ند عن الفهم معاني بعض كلماته، فضاعت بهجة أبياتها واضطربت معانيها.
وبعد فمن فخر الدين بن مكانس؟ هو أحد شعراء العصر المملوكي، عاش بين سنتي ٧٤٥هـ، ٧٩٤هـ. وهو من أسرة ابن مكانس القبطية الأصل، المصرية الصميمة في مصريتها، الواسعة في جاهها. واسمه عبد الرحمن بن عبد الرزاق بن إبراهيم. وإبراهيم هذا هو المعروف بابن مكانس، وينتمي إليه أبناء هذه الأسرة المجيدة، وقد سعدوا بالإسلام، ونبغ منهم رجال خدموا العلم والأدب والدولة أجل الخدمات، ومنهم صاحب السرحة الوزير الصاحب أبو الفرج فخر الدين، الأديب البارع، الكاتب النحرير، الشاعر المجيد، الفكه الطروب.
ويعتبر فخر الدين بن مكانس من حلبة برهان الدين القيراطي التي نبغ رجالها في النصف الثاني من القرن الثامن، ومن أندادهما ابن أبي حجلة، وعز الدين الموصلي، وشهاب الدين بن العطار.
وقد اتصل حبل الصداقة بينه وبين كثيرين من أدباء عصره، ومال منذ الحداثة إلى الآداب، وكان له بالإنشاء والشعر ولوع أي ولوع. فكتب ونظم وراسل وساجل وتغزل وغازل، وجنح للمجون واللهو. ذكروا أن السلطان برقوقا غضب عليه مرة فضربه وعلقه من رجليه بسرياق فلبث نصف نهار منكس الرأس، ولعل ذلك كان بسبب لهوه وعبثه. وقد قال في ذلك:
وما تعلقت بالسرياق منتكسا ... لزلة أوجبت تعذيب ناسوتي
وقد نظم فخر الدين الشعر في أغراض عدة، وغلبت على أسلوبه الرقة والسهولة والوضوح مع العناية بالبديع. وقد يرق أسلوبه حتى يصير مبتذلا، وتبدو فيه أخطاء قليلة لا ترضي النحو ولا اللغة واعتبره ابن حجة مبتكراً في معانيه مخترعاً في أوصافه. . . وهو بارع في التضمين. سخر من أنف أحد أصحابه - وكان ضخما - فوصف هذا الأنف وصفاً فكاهيا في أبيات عدة ضمنها أعجازاً بل أبياتاً من معلقة امرئ القيس! فأخرج المعلقة