ملبسها من مبالغات وتهاويل أربت على غيرها. قال ابن مكانس في وصفها:
نوحية الصنع والإحكام منشأة ... تسير ما سيرت من غير إعياء
سوداء تحكي على الماء المصندل شا ... مة على شفة كالشهد لعساء
ساجية ألبستها الصانعون لها ... من التدابيج ما يزهو بصنعاء
غريبة ذات ألوان وأجنحة ... لم أدر تعزى لروض أو لعنقاء
لم يستطع شأوها أو سيرها عنق ... غر الجياد على كد وإنضاء
وكما تخلص إلى وصف السفينة في رفق وهوادة، تخلص منه إلى أبيات خمرية طريفة، في لين وكياسة. وقد أبدع في وصف خمره ما شاء له إبداعه. فجمع فيها بين الشمطاء والعذراء، لنفاستها وقدم عهدها، ولأنها مختومة لم تفض، وبكر لم تقرب، ورصع بنعوتها أحد أبياته. وأجاد في وصف إبريقها الذي إذا انحنى فركوع دعاء، وإذا صوت فتسبيح فأفاء. قال بعد الأبيات السالفة:
كم قد نعمنا بها عيشاً بساقية ... شمطا تجلى على الجلاس عذراء
مما تخيرها كسرى وأودعها ... رب الخورنق في قوراء جوفاء
حمراء صرفا وصفرا إن مزجت لها ... كم من يد في سواد الليل بيضاء
راحا إذا ركع الإبريق يمزجها ... سمعت من صوته تسبيح فأفاء
أم السرور التي أبقى الزمان بها ... جزء الحياة وقد ألوى بأجزاء
فعاطينها على طل الندى سحراً ... فإن ترياقها موتى وإحيائي
وقد اختتم بن مكانس قصيدته بعدة أبيات ذكر فيها شيئاً من لهوه بين الشادي والشادية وبين العود والناي، وبين الحدائق ذات البنفسج النفاح، منوها بأنه يأخذ من اللهو بنصيب، وأنه لا ينوح كغيره من الشعراء على طلل، ولا يندب خليطاً، ولا يبكي أحياء.
وبعد! فلعلنا وفقنا إلى التنويه بهذه القصيدة ولو بعض التوفيق، وظفرنا بلغت النظر إلى شيء من نفاستها، ولو بعض الظفر. ويبدو لنا أها كانت مشهورة مروية يتناقلها الأدباء ويرويها الظرفاء في العصر المملوكي، وقد أشار إليها ابن حجة في خزانة الأدب، وروي بعض أبياتها. ونود لو يعذرنا القراء إذا وجدوا منا في عرضها تقصيراً، فقد اعتمدنا في نقلها على ديوان ابن مكانس وحده. وأغلب الظن أنها لا توجد كاملة في سواه. والديوان لا