طياته أخرى. . ثم اشتد خجلها من تردد ظلها وارتيابه، فاحمر وجهها حتى أضحى كوجه غانية مخضب بالدماء؛ وأبت أن تشمت الطبيعة بما عراها من اضطراب، فوارت في حجاب الأفق شطراً من وجهها القاني الذي ظل شطره الآخر براقاً يخطف الأبصار، وجلا يتأهب للتواري عن الأنظار، فكان كسفينة جميلة اشتدت بها الريح في يوم عاصف، فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت، ثم غرقت في الأفق البعيد؛ فانطوى منها شطر في أعماق الماء، وبدا شطرها الآخر على وجهه تندلع منه ألسنة اللهيب في حمرة الدماء!
٢ - (والشمس التي كانت تهوي من سحاب إلى سحاب،
مدّتْ على الأمواج ظلَّها المرتاب. . .
ثم وارت شطراً دامياً من وجهها البراق،
كسفينة غرقت في الأفق بعد احتراق!)
وكأنما أسفت السماء لغياب الشمس، فشحب منها الجانب المواجه لما احتجب من ضيائها، وظهرت عليها إمارات الحزن والاضطراب؛ على حين غارت الصبا من الشمس فظنت تواريها في حجاب الأفق رشاقة ودلالا، فاستترت مثلها ببرقعها الشفاف، وأنشأت شفتاها الرقيقتان تنفحان من خلاله نفحات ألطفً من حفيف الورق، وأنعم من لمس الحرير؛ بينما كانت الظلال تدنو من أمها الشمس وتقترب، وتجتمع بأمرها وتتحد، ثم تعدو بين يديها وتستبق، وتمحو تحت ألوانها الداكنة السوداء كلَّ ما يدب على الأرض أو يجري، وما يسكن في مساربها أو يسري، ولك ما يطفو على وجه الماء أو يسبح، وما ينطوي في أعماقه أو يعوم.
٣ - (وشحب شطر السماء. أما الهواء اللطيف
فتوارى في الحجاب ناعماً كالحفيف. . .
وعَدَتِ الظلال فمحتّ في ألوانها الدكناء؛
كلَّ سارب في الأرض أو سابح في الماء!)
وليت شعري، ماذا يصنع الشاعر أمام هذه المناظر؟
بحر يهدأ بعد اضطراب، وينام بعد اصطخاب. وشمس تمر بين السحاب، ثم تتوارى في الحجاب. . . وسماء تشحب وتصفرّ، وريح تسكن وتقرّ. . . وظلال تعدو وتستبق، وعوالم