للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

للتدوين بها الخ. فلنتساءل الآن: لماذا أدخل العرب مدنيات الأمم إلى لغتهم؟ يورد بعض القدماء رؤيا رأي المأمون فيها أرسطو فاستيقظ وقد تملكه حب لهذا الفيلسوف، فاندفع يبحث عن آثاره. ولا ريب أنك قانع معي بضعف هذا التعليل وركة اتخاذ هذه الأسطورة سبباً للعمل الجبار الذي عج به صدر الدولة العباسية. إن النصوص التاريخية التي سأدلي بها تحدثنا عن طموح ملوك العرب وتطلعهم إلى الرقي والنهوض بأممهم إلى المستوى اللائق بهم مما دفعهم إلى البحث عن منابع الثقافات المختلفة، وإن تفكيرهم العلمي ودقة آرائهم ونضوجهم أمور كانت تدفعهم ألا يرتضوا في الحالات المرضية بالتعاويذ والرقي، إنما كانوا يبحثون عن أرقى الأوساط الطبية وينقبون عنها ليطلبوا كبار أطبائهم، ولم يكونوا يكترثون بالاختلافات الدينية، فإنهم اتخذوا أطباءهم من مختلف النحل والملل، وهذا نفسه دليل على رقي عقولهم وسلامتها من الجهل والتعصب الذميم، وتحريرها من ربقات القيود والتقاليد الرجعية. يقول ابن أبي أصيبعة: إن المنصور في عام ١٤٨ للهجرة مرض وفسدت معدته وانقطعت شهوته، وكلما عالجه الأطباء ازداد مرضه، فتقدم إلى الربيع (من رجال البلاط) بأن يجمع الأطباء في سائر المدن - طبيباً ماهراً؟ فقالوا ليس في وقتنا هذا أحد يشبه جورجس رأس أطباء جنديسبور، فإنه ماهر في الطب وله مصنفات جليلة. فأنفذ المنصور في الوقت من يحضره الخ، وقد كانت هذه البعثة الطبية فاتحة اتصالات البلاط العباسي ببغداد بمدرسة حنديسابور الطبية وهي مدرسة أسسها الأكاسرة (كما يخبر القفطي) وظلت قائمة في ظل الحكم العربي لإيراني إلى القصر العباسي، وقد قال ابن أبي أصيبعة إن رسول المنصور لما وصل إلى عامل البلد أحضر جورجس وخاطبه بالخروج معه، فقال له عليَّ هنا أسباب ولابد أن تصبر عليَّ أياماً حتى أخرج معك فقال له إن أنت خرجت معي في غد طوعاً وإلا أخرجتك كرهاً، وامتنع عليه جورجس فأمر باعتقاله، ولما اعتقل اجتمع رؤساء المدينة مع المطران فأشاروا على جورجس بالخروج فخرج بعد أن أوصى ابنه بختيشوع بأمر البيمارستان (المستشفى) وأموره التي تتعلق به هناك، وأخذ معه إبراهيم تلميذه وسرجس تلميذه، فقال له ابن بختيشوع لا تدع ههنا عيسى بن شهلا فإنه يؤذي أهل البيمارستان، فترك سرجس وأخذ عيسى عوضاً عنه وخرج إلى مدينة السلام) وإذن فقد كان في عهد الحكم العربي لفارس - كيان قائم لمدرسة جنديستابور، وكان فيها

<<  <  ج:
ص:  >  >>