للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وهذا كتاب في النبات والأقراباذين كان قد ترجمه اصطفن بن باسيل في أيام الخليفة المتوكل وقد ترك بعض الألفاظ التي لم يعرف لها مقابلا في العربية على أصلها اليوناني أملا أن يأتي بعده من يعرف مرادفاتها في العربية. ولما كان لا يوجد في الأندلس حينئذ من يعرف اليونانية، فقد طلب الناصر من الإمبراطور أن يرسل له شخصاً يعرف اليونانية واللاتينية، فأرسل الراهب نقولا الذي وصل إلى قرطبة عام ٩٥١ وقد كتب الطبيب الأندلسي ابن جلجل في مطلع القرن الحادي عشر - كتاباً عن الأشياء التي أغفلها ديوسقوريدس. فجاء الكتابان مؤلفاً كاملا، وطبعاً أن ذلك ثمرة جهود الخليفة الناصر المتقدمة وقال ابن أبي أصيبعة أن أبا مروان بن زهر كان جيد الاستقصاء في الأدوية المفردة والمركبة حسن المعالجة قد شاع ذكره في الأندلس وفي غيرها من البلاد، واشتغل الأطباء بمصنفاته، ولم يكن في زمانه من يماثله في مزاولة أعمال صناعة الطب، وكان قد خدم الملثمين ونال من جهتهم من النعم والأموال شيئاً كثيراً. وإن أبا محمد بن الحفيد ابن زهر كان كثير الاعتناء بصناعة الطب والنظر فيها والتحقيق لمعانيها، واشتغل على والده ووقفه على كثير من أسرار هذه الصناعة علمها وعملها، وقرأ كتاب النبات لأبي حنيفة الدينوري على أبيه وأتقن معرفته، وكان الخليفة أبو عبد الله محمد الناصر يرى له كثيراً ويحترمه ويعرف مقدار علمه، وأنه لما توجه إلى الحضرة خرج منه فيما اشتراه لسفره ونفقته في الطريق نحو عشرة آلاف دينار ولما اجتمع بالخليفة الناصر بالمهدية لما فتحها خدمه على ما جرت به العادة، وقال إنني بحمد الله بكل خير من أنعامكم وإحسانكم عليّ وعلى آبائي. وقد وصل إلى ما كان بيد أبي من إحسانكم ما يغنيني مدة حياتي وأكثر، وإنما أتيت لأكون في الخدمة كما كان أبي وأن أجلس في الموضع الذي كان يجلس فيه أبي بين يدي أمير المؤمنين، فأكرمه الناصر إكراماً كثيراً وأطلق له من الأموال والنعم ما يفوق الوصف، وكان مجلسه إذا حضر قريباً منه في الموضع الذي كان يجلس فيه والده الحفيد ابن زهر. فهل كان هذا الإقبال من ملوك العرب في الأندلس على العلم وأهله بتأثير من الفرس أو غيرهم، أم ذلك لما جبل عليه العرب من حب العلم وتعشق الكمال والفضيلة.

أما ما نقلوا عن احترام ملوك مصر للعلماء وتشجيعهم لهم فقد ذكر ابن أبي أصيبعة أن ابن الهيثم كان متفننا في العلوم لم يماثله أحد من أهل زمانه في العلم الرياضي ولا يقرب منه،

<<  <  ج:
ص:  >  >>