يحتوي عدة أبواب فأمر المنصور بترجمة ذلك الكتاب إلى اللغة العربية ليعمل كتاب تتخذه العرب أصلا في حساب حركات الكواكب وما يتعلق به من الأعمال، فتولى ذلك محمد بن إبراهيم الغزاري وعمل منه زيجاً اشتهر بين علماء العرب حتى إنهم لم يعملوا إلا به أيام المأمون حيث ابتدأ مذهب بطيموس في الحساب والجداول الفلكية. وهذا يدلك أن العرب وملوكهم اندفعوا إلى الحضارات من أنفسهم لا بتأثبر الفرس أو غيرهم لأنهم من شعب يتعشق المعالي ويجد في نيلها، وقد أصبحوا بعد فتحهم المعمور وتدويخهم الأقطار حكام الأرض وقادة الشعوب، فكيف يرضون لأنفسهم بالجهل والانحطاط، لذلك رأيت ملوكهم بدافع من غرائزهم وجبلاتهم - كلما سمعوا بعلم أمروا بنقله إلى لغتهم وأكرموا العلماء وأعطوهم الحرية الكاملة وجاروهم في عاداتهم وعقائدهم تطميناً لهم ليسخوا في تعليم العرب، فهذا المنصور يأمر الربيع أن يوفوا الخمر لجورجس ويستثنيه من الحظر الإسلامي فيذهب الربيع إلى قطر بل ويحمل منها إليه غاية ما أمكنه من الشراب الجيد. وقال أبو إسحق الصابئ الكاتب إن ثابتاً بن قرة كان يمشي مع المعتضد في الفردوس وهو بستان في دار الخليفة للرياضة، وكان المعتضد قد اتكأ على يد ثابت بشدة، ففزع ثابت، فإن المعتضد كان مهيباً جداً. فلما نثر يده من يد ثابت قال (يا أبا الحسن سهوت ووضعت يدي على يدك واستندت عليها، وليس هكذا يجب أن يكون؛ فإن العلماء يَملون ولا يُعلون) وكان الخلفاء العباسيون والأمراء يعادلون الكتب التي يترجمها حنين بن إسحق العبادي بالذهب، وقد قيل إنه كان يكتب ما يترجم على ورق ثخين وبحرف كبير ليكثر وزنه ويزيد ما يتناول من المال. وقد كان إقبال ملوك العرب وأمرائهم على العلوم قبل أن يتنفذ الفرس في دولتهم. هذا عمر بن العزيز في الدولة الأموية بدمشق يأمر بنقل كتاب أهرن بن أعين في الطب إلى اللغة العربية، وقد سبق خالد بن يزيد بن معاوية إلى ترجمة كتب الفلاسفة والنجوم والكيمياء والطب والحروب والآلات والصناعات من اللسان اليوناني والقبطي والسرياني، وخالد بن يزيد هذا أول من جمعت له الكتب وجعلها في خزانة في الإسلام (كما ذكر في كتاب الإسلام والحضارة العربية)
أما عن إقبال ملوك الأندلس على العلم فقد نقولا أنه في عام ١٩٤٨ أهدى إمبراطور القسطنيطينة إلى الخليفة الناصر في الأندلس كتاب ديوسقوريدس باليونانية مزيناً بالرسوم