للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

مقيد، وقلمه مراقب، وسيف الجلاد يلمع أمام ناظريه، ولكن هل يصمت، كما قال:

إذا نطقت فقاع السجن متكأي ... وأن سكت فإن النفس لم تطب

كان شعور حافظ في هذه الفترة ممثلاً في هذا البيت خير تمثيل. ولم يكن هذا شعور حافظ وحده، ولكنه كان شعور المصريين بل الشرقيين جميعاً!

من الواضح أن حافظاً تأثر بالبارودي تأثراً شديداً في حياته ومنهجه. . .

ويعتبرالبارودي أمام المدرسة الحديثة في الشعر المصري التي خرجت على أساليب المتزمتين في الجيل السابق له، فعاد البارودي ومن خلفوه بالشعر العربي إلى بعض عصوره الزاهية إبان النهضة العربية.

وقد قامت الثورة العرابية أيام البارودي، بل كان البارودي بطلاً من أبطالها المعدودين، ولكنه لم يساهم فيها بقلمه وشعره، بل ساهم فيها بسيفه ورأيه الفني. وهو الحد الفاصل بين مدارس الشعر القديمة، وفاتح أبواب المدارس الحديثة، بل إمامها ورائدها. . .

ولقد جاء حافظ من بعد البارودي فكان الحلقة المتوسطة بين المدرسة التي وضع أساسها البارودي، وبين المدارس التالية التي أنشأها شعراء الجيل الجديد.

إلا أن حافظ لم يسره سيرة البارودي في ثورته، فلقد أسهم حافظ في ثورات المصريين التالية بشعره، ولم يكن رائداً فيها بسيفه. . .

ومن هنا كان حافظ بحق أول شاعر مصري حديث ينطق بلسان شعبه، وبلسان الأمم الشرقية الشقيقة.

فهو يستحث الشعب على مقاومة الغاصب، ومحاربته، ويستنهض الهمم، ويستنفر النفوس، ولم يقتصر على السياسة فحسب، وأن كان له في السياسة والوطنيات ديوان ضخم قائم برأسه، ولهذا لا أريد أن أنقل منه شيئاً هنا، فقصائده عديدة ومشهورة.

ولكن حافظاً طرق أبواب الإصلاح كلها، وحث المصريين على إصلاح عيوبهم الداخلية، وحياتهم الاجتماعية المتأخرة، ونعى عليهم عاداتهم السخيفة، وتقاليدهم المزرية، وشتى نواحي حياتهم، المظلمة الراكدة، وتكاسلهم وتوانيهم وقعودهم عن العمل والهجرة في طلب الرزق، فهو ينقد الألقاب، والتكاسل، وغيرها، إذ يقول:

وهل في مصر مفخرة ... سوى الألقاب والرتب

<<  <  ج:
ص:  >  >>