- انظر المقال السابق، نص منطق المشرقيين -، فقد نزعت الثقة من هذا الكتاب كمصدر يؤرخ منه لأبن سينا، وأن صح اعتباره مصدراً يؤرخ منه للمشائين كما يفهمهم ابن سينا إذ ليس يكفي أن يوضع اسم المؤلف على لا لكتاب، ولا أن يكون صحيح النسبة إليه، ليتخذ مصدراً يؤرخ منه له، بل يجب أن يتحرى وراء التثبت من صحة النسبة، عن أمر آخر ليس دون صحة النسبة أهميه؛ ذلك هو قيمة المؤلف في نظر صاحبه، أعني لمن ألفه؟! هل ألفه ليصور به فكرته وعقيدته؟!. . . أم ألفه لأناس آخرين تنزل فيه إلى مستواهم؟! وفي ضوء هذا يمكن اعتبار الكتاب مصدراً يستمد منه التاريخ لمؤلفه، أو عدم اعتباره كذلك.
ولا شك أن إغفال هذه النظرة يوقع في خلط واضطراب شديدين، وقد تبينت ذلك واضحاً في دراستي للغزالي؛ إذ تضارب الكاتبون عنه تضارباً شديداً، وتأدوا في بحوثهم إلى أحكام متعارضة، واعتصم كل منهم في تأييد وجهة نظره، بكتاب من كتبه صحت نسبته إليه؛ مما حير العقول وبلبل الأفكار، ومن أجل هذا اعتبر شخص الغزالي مشكلة من مشاكل العلم التي تتطلب الحل والإيضاح، قال (ديبور): (إن أمثال الغزالي معضلة في نظر العلم، فأشخاصهم حقائق روحية تحتاج إلى توضيح).
وكان ذلك من غير شك نتيجة لإهمالهم هذا المبدأ الذي هو الطريق الوحيد، لإضافة الفكرة إلى المؤلف مع الوثوق من أنها تصور رأيه وتعبر عن عقيدته؛ فلما أخذت في دراستي له بهذا المبدأ، أبرزته في كتابي عنه (الحقيقة في نظر الغزالي) شخصية واضحة مفهومة، لا تضارب فيها ولا تعارض.
ومن حسن حظ العلم أن المؤلفين الذين لهم جوانب متعددة ومظاهر متباينة قد عنوا بالدلالة على الكتب التي تصور آراءهم التي يرتضونها لأنفسهم، تمييزاً لها من غيرها التي تصور أفكاراً أخرى لا يدينون بها.
فمثلاً نجد الغزالي يقول في كتابه (الأربعين في أصول الدين) ط الكردي ص٢٥:
(ومعرفة أدلة العقيدة قد أوردناها في الرسالة القدسية في قدر عشرين ورقة، وهي أحد فصول كتاب قواعد العقائد من كتاب الإحياء.
وأما أدلتها مع زيادة تحقيق وزيادة تأنق في إيراد الأسئلة والإشكالات، فقد أودعناها كتاب