(الاقتصاد في الاعتقاد) في مقدار مائة ورقة، فهو كتاب مفرد رأسه يحوي لباب علم المتكلمين، ولكنه أبلغ في التحقيق، وأقرب إلى قرع أبواب المعرفة، من الكلام الرسمي الذي يصادف في كتب المتكلمين.
وكل ذلك يرجع إلى الاعتقاد، لا إلى المعرفة، فإن المتكلم لا يفارق العامي معتقداً، بل هو أيضاً معتقد، عرف مع اعتقاده أدلة الاعتقاد، ليؤكد الاعتقاد ويستمده، ويحرسه من تشويش المبتدعة، ولا تنحل عقدة الاعتقاد إلى انشراح المعرفة.
فإن أردت أن تستنشق شيئاً من روائح المعرفة، صادفت منها مقداراً يسيراً مبثوثاً في كتاب الصبر والشكر، وكتاب المحبة، وباب التوحيد، ومن أول كتاب التوكل؛ وكل ذلك من كتاب الإحياء.
وتصادف منها مقداراً صالحاً يعرفك كيفية قرع باب المعرفة في كتاب (المقصد الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى) لا سيما في الأسماء المشتقة من الأفعال.
وإن أردت صريح المعرفة بحقائق هذه العقيدة، من غير محجمة ولا مراقبة، فلا تصادفه إلا في بعض كتبنا المضنون بها على غير أهلها. وإياك أن تغتر وتحدث نفسك بأهليته فتستهدف للمشافهة بصريح الرد، إلا أن تجمع ثلاث خصال:
الأولى: الاستقلال في العلوم الظاهرة، ونيل رتبة الإمامة فيها.
والثانية: إقلاع القلب عن الدنيا بالكلية. . .
والثالثة: أن يكون قد أتيح لك السعادة في أصل الفطرة الخ.
وهذا هو ابن سينا يقرر في مقدمة كتابه (رسالة في المبدأ والمعاد) أنه ألفه على مذهب المشائين، فيجب - قبل الحكم بأن ما جاء في الكتاب يصور رأي ابن سينا أو لا يصوره - أن يعرف رأيه في المشائين، وهل هو يوافقهم؟ أو يخالفهم؟! وهذا هو نصه في مقدمة منطق الشرقيين صريح في أنه لا يدين بكل ما يدين به المشاءون، ومن المحتمل أن يكون أمر البعث من المسائل التي اختلف فيها معهم، فلا بد إذن من البحث عن مصدر آخر.
وفضلاً عن ذلك فقد جاء في عبارات الكتاب ما يدل على أن للمسألة عنده غورا، وأن لها سراً لم يفض به في هذا الكتاب كقوله (وهذا كلام مغلق، تحته معان كثيرة، في شرحه على الحقيقة تكون النجاة).