وبدون أن ينتظر تعليقي على ما فاء به، انشأ يقص قصته دون تمهيد، قال:
تدعى بطلة قصتي رديجوندا. وكانت زوجة البارون ت. الكابتن في فرقة س. إحدى فرق (الدراغون)، وكان مقرها بلدتنا الصغيرة. (ولم يذكر في الواقع من الأسماء سوى الأحرف الأولى ومع ذلك عرفت البلدة واسم الضابط الفارس ورقم فرقته).
واستمر الدكتور فيفالد يقول (كانت رديجوندا ذات جمال باهر، وقعت في حبها من النظرة الأولى - كما يقول الناس - ولسوء الحظ لم تسنح لي الفرصة التي تتيح لي التعرف بها، فضباط الفرقة وعائلاتهم قليلو التعارف بالمدنيين، ولذلك كنت أقنع بالنظر إليها عن بعد، أراها وحيدة أو بجانب زوجها أو بصحبة الضابط الآخرين وزوجاتهم وهم يسيرون في شارع البلدة.
وكنت أحياناً أحظى برؤيتها تطل من إحدى نوافذ دارها، أو ألمحها داخل عربة تتأرجح بها قاصدة إلى المسرح الصغير في المساء وهناك أشاهدها جالسة في مقصورة من مقعدي بأعلى المسرح، فيخيل إلي إنها تعطف علي فترميني بنظرة عابرة لا أجرؤ أن استنتج منها ما يشف عن الغزل أو التعارف. وبدأت أيأس من استطاعتي وضع قلبي تحت قدميها عندما قابلتها فجأة وعلى غير انتظار في صباح يوم من أيام الربيع الجميلة بالحديقة الصغيرة الممتدة من باب البلدة الشرقي إلى الريف. مرت أمامي وعلى شفتيها شبه ابتسامة دون أن تلحظ وجودي. وسرعان ما اختفت بين الأشجار دون أن يمر على خاطري أن أحييها أو أتحدث إليها. ولا أدري لماذا لم أشعر بالأسف بعد ما توارت عن أنظاري في أني لم أقم بمثل هذه المحاولة، ولكن كل ما أدريه أنه حدث لي شيء غريب. لقد شعرت بنفسي فجأة أندفع وراء الخيال وأتصور ما الذي يحدث إذا ما كانت قد تمالكت شجاعتي واعترضت طرقها أخاطبها. وجعل خيالي يصور لي كيف لم تخف سرورها بجرأتي هذه، وكيف طفقت تحدثني وتشكو وحدتها وحاجتها إلى من تبثه لواعج نفسها وقلبها، وكيف شعرت بالبهجة عندما وجدت في ذلك الرفيق الذي تنشده. وكانت نظرتها إلي عندما ودعتها نظرة تحوي كل معاني الود والتفاهم حتى لخلت - على الرغم من يقيني بأن كل هذا كان مجرد خيال - بأني عندما أراها مرة ثانية بمقصورتها بالمسرح في المساء سأشعر بأن في صدري كنزاً مدخراً من العواطف لا يشاركني فيه أحد سواها.