لعلك لا تعجب يا سيدي العزيز إذا ما قلت لك بأني وجدت نفسي منساقاً وراء ذلك الخيال الذي لا أدري كيف بعث، ولعل منشأة قوة خفية في نفسي لا أدري كنهها. فسرعان ما أعقبت أولى مقابلات غيرها، وازداد شغفي برد بجوندا، حتى أقبل اليوم الذي وجدتها بين ذراعي وتقدم بي خيالي، وابتدأت تزورني في شقتي الصغيرة بأقصى البلدة، وعندئذ تذوقت كل أنواع البهجة التي لم أتذوقها في حياتي الواقعية والتي لا أعرف طعمها إلا في خيالي الرائع.
وأقبل علينا الخريف عندما علمت أن فرقة (الدراغون) الذي ينتمي إليها زوجها قد أمرت بالرحيل إلى جاليشيا. فشعرت باليأس القاتل يملأ نفسي - بل يملأ نفسينا - ولم نترك شيئاً مما يقوله العشاق في مثل هذه المناسبة إلا تحدثنا عنه. تكلمنا عن الهرب معاً، والموت معاً، وعذاب الخضوع لحكم القدر. وأقبلت الليلة الأخيرة ولما نصل إلى قرار بعد. وانتظمت رديجوندا في غرفتي المزدانة بالزهور وكنت قد حزمت أمتعتي وحشوت مسدسي وكتبت رسائل الوداع استعداداً لما قد يحدث. كل هذا يا سيدي العزيز كان حقيقة نتجت عن خيال غريب. إن وقوعي التام تحت سحر ذلك الخيال جعلني أعتقد تمام الاعتقاد توقع ظهور محبوبتي أمامي في آخر أمسية قبل أن ترحل الفرقة. كنت أشعر بقوة خفية لم أحسب لها حساباً تدفعني إلى البقاء بالدار. وكنت أتوجه مئات المرات إلى الباب الخارجي فأنصت علني أسمع وقع خطواتها، ثم أنظر خلال النافذة آملاً أن أراها مقبلة نحوي. ثم شعرت بالقلق واليأس ينتابان نفسي حتى أوشكت على الاندفاع خارجاً، لأبحث عن رديجوندا وأختطفها من زوجها مطالباً بحقي في الاستحواذ عليها، حق حبنا المتبادل.
وأخيراً تهالكت على مقعدي وأنا أرتجف رجفة من أصابته بالحمى. وفجأة - قرب منتصف الليل دق الجرس الخارجي، فشعرت حينئذ بأن قلبي يكاد يكف عن الخفقان. إن دق الجرس - كما تعلم - لم يكن وليد الخيال. واستمعت إلى صوته وأنا مذهول، وشعرت برنينه يطرق أذني، فأيقظ في الإحساس الكامل بالحقيقة. كنت أدرك أنه حتى هذا المساء لم تكن مغامرتي سوى سلسلة من الأحلام العجيبة؛ ولكني شعرت عندما سمعت ذلك الرنين بأمل جريء يستيقظ في ذات نفسي، ذلك الأمل في أن رديجوندا وقد أثر في أعماق قلبها تلك القوى الخفية التي أحيت خيالي، واستجابت إلى دعوتي بقوة رغبتي فيها، سوف أراها