أمر اختيار وتمحيص وليس للمصادفة دخل فيه. وما يقال عن عدم إعداد الوراق اللازمة للاقتراع ونشاط جريلي وتحويله معظم المندوبين عن رأيهم فهو من قبيل ما يروي عن المعارك الانتخابية مما يشبه القصص بقصد التسلية والتشويق أو بدافع المبالغة، إذ لا شك أنه مما ينبغي أن يأخذ في كثير من التحفظ أن تتحول آراء المندوبين في فترة قصيرة في أمر عظيم كاختيار رجل للرياسة في غير سبب من شأنه أن يفضي إلى هذا التحول الخطير. ولقد كان جريلي من أشد خصوم لنكولن طيلة حياته، وظل على لدده حتى بعد أن ظفر لنكولن بالرئاسة. ولم تكن خصومته لسيوارد إلا مفضية إلى نجاح منافسه، وهذا مما يجعلنا نرتاب فيما نسب إليه يوم ذلك المؤتمر العام. هذا إلى أنه لو فرض وقوعه كما ذكرنا فأنه أقل من أن يحول آراء المندوبين بالقدر الذي يؤدي إلى نجاح لنكولن.
لقد مكن لنكولن لنفسه قبل ترشيحه، وسبق هذا الترشيح نشاط وتنافس في القول والكتابة بين أنصار سيوارد وأنصار لنكولن، وجاء انتصار لنكولن بعد ذلك متفقاً مع مكانته التي ظل عاملاً عليها، لا طمعاً في الرئاسة، ولكن استجابة لما كانت تهجس به نفسه.
ومع ذلك كله، فقد كان من الجائز أن لا يظفر لنكولن بالنصر في معركة الرياسة وإن رشحه الجمهوريون، ولكنه ظفر ونال مائة وثمانين صوتاً من أصوات مندوبيه الولايات الذين ينتخبون الرئيس وفق الدستور، وكان عددهم ثلاثمائة رجل وثلاثة، وهذا العدد قلما ناله رئيس من قبله.
لقد شق لنكولن طريقه إلى الرياسة في مشقة، وتحمل من عنت الأيام ومن قسوة الظروف ما يزيد في معنى عصاميته، وما المصادفات هي التي صعدت به إلى رياسة الجمهورية، ولقد ظل يشتغل بالسياسة أكثر من عشرين عاماً حتى نبه اسمه وذهب صيته في طول أمريكا وعرضها، وهو الذي خرج من بين أحراج غابة من غاباتها فقيراً معدماً على نفسه بنفسه، ولم يتكئ منذ كان طفلاً إلا على نفسه. . .
وبعد، فإني أعود فأشكر للأستاذ الجليل ما أبداه من ملاحظات على كتابي كانت سبباً في هذه النقلة المستحبة في تأريخ البلاد الأمريكية، ولعلنا نظفر منه بأمثالها، وإني لسعيد إذا صدقني كاتبنا الكبير أني لم أرد بالرد على ملاحظاته القيمة دفاعاً عن كتابي، وإنما الصواب طلبت؛ وما أبرئ نفسي من الخطأ، ولست أرى أن كتاباً يوضع في تأريخ لنكولن