للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وبهذا وحده اتجهت القلوب إلى لنكولن وبخاصة بعد ما كان من جدال طويل على أعين الناس بينه وبين دوجلاس أحد قادة الديمقراطيين، وأن اتجاه القلوي إليه لهو (الترشيح) الذي تحسه الأنفس قبل وقوعه رسمياً. . .

فإذا كان هذا جميعاً من المصادفات، فيجب إذا أن نتفق على معنى المصادفة، وإلا عددنا حوادث التاريخ جميعاً مصادفات، وجعلنا أعمال بونابرت مثلا وسعد زغلول أو غيرهما من المصادفات، وما هي إلا تلك القوة التي يمتاز بها الرجل العظيم، أو تلك (الروح) التي لا تدرك ولا تنكر.

وهل نعد قضية الرق في ذاتها مصادفة، واشتغال لنكولن بها مصادفة؟ وما قيمة هذه المصادفة إن عددناها مصادفة؟ والمهم هنا هو كيف علا صوت لنكولن فيها على جميع الأصوات؟ وكيف نفذ إلى القلوب دون غيره؟ وهل نعد مواهبه وفي مقدمتها الخطابة كذلك من المصادفات؟ وإذا فماذا يبقى من (الرجل)؟

ولقد فشل لنكولن في السياسة اكثر من مرة، فأين كانت المصادفة؟ هل نعد فشله كذلك مصادفة كما نعد نجاحه لو أنه نجح؟ ولقد فاز دوجلاس بمقعد الشيوخ دونه بعد صرعهما الطويل، وعاد هو إلى عمله في المحاماة!؟

ودعي لنكولن بعد هذا الفشل إلى نيويورك فخطب الناس هناك فسحرهم بيانه بعد أن سخروا من منظره ومن هندامه ومن شعره الأشعث الذي يعلو رأسه الكبير كأنه ألفاف الغابة. وقد قال الصحفي النابه جريلي وهو من خصومه: (ما من رجل ستطاع أن يبلغ بخطابه لأول مرة ما بلغه لنكولن من عظيم الأثر في جمهور السامعين في نيويورك).

ونشرت كبريات الصحف خطابه وبدأ اسمه يظهر بين أسماء المرشحين لرياسة الجمهورية. ولما عقد الجمهوريون مؤتمرهم العام في شيكاغو في شهر مايو لاختيار أحد رجالهم ليرشحوه للرئاسة، كان سيوارد واثقاً من نفسه قليل الاكتراث بلنكولن، وقدم زعماء المؤتمرين خمسة أسماء غيرهما وجرى الاقتراع على دفعات، وأعلنت نتيجة الدفعة الأولى من الولايات، فإذا سيوارد يزيد على لنكولن بسبعين صوتاً وصوت، ثو أعلنت نتيجة الدفعة الثانية فإذا لنكولن لم يبق بينه وبين منافسه القوي إلا ثلاثة أصوات، ثم تعلن نتيجة الدفعة الأخيرة، فإذا إبراهام يظفر على صاحبه ببضعة أصوات فحسب. وإذا فالأمر هنا

<<  <  ج:
ص:  >  >>