يحزن لحدوثه ويتألم، ويشعر أنه مسئول عما أتوه من أثام، وينذر صوم عدة أيام أو بضعة أسابيع ليكشف عذاب الصوم ما يحسه من وخز الضمير وكآبة الروح، أو يخفف ضغط الشعور الأليم بالمسئولية من ناحية، وليكفر عن آثام أتباعه من ناحية أخرى. فكان صومه يؤثر في نفوس أتباعه فيتألمون لألمه، إلا أنهم في الوقت ذاته كانوا يجلون مقاساته آلام صوم متواصل من أجلهم بدون أن يقترف ذنباً يستحق أن يطلب عنه الغفران. ولذلك حرصوا على ألا يقترفوا من المخالفات والأوزار ما يؤلم غاندي، فيضطر إلى أن يلجأ إلى صوم يسبب له ما يكرهون من العناء والتعب.
فلما وجد غاندي ما لصومه من أثر عميق في نفوس الهنود، أدرك بفطرته النفاذة، وفهمه السليم لروح شعبه أنه يمكن أن يتخذ من الصوم ذريعة روحية مفيدة، يخدم بها أغراضه الإصلاحية من تقويم أخلاق قومه، وإصلاح حياتهم المادية والاجتماعية، وترقية مستواهم السياسي؛ كما أدرك أن قوة مفعول الصوم في نفوس الهنود سببه أنهم قوم لا يرهبون إلا قوة الروح، ولا يخضعون إلا لسلطان الدين، فتعمد مخاطبتهم باللغة التي يجيدون معرفتها ويصدعون إليها. فاستعان بالصوم لخدمة مصالحهم، لأنه يعبر عن قوة دينية، وعن مظهر من مظاهر القدرة على تحمل الآلام ومقاساة الجوع، فضلا عن أنه وسيلة من وسائل تطهير الروح. فسهل عليه السيطرة به على قومه، ونجح في استخدامه إلى أبعد حد بحيث أصبح الصوم أمضى سلاح سياسي يعتمد عليه غاندي بصفته الشخصية للقضاء على الاضطرابات والقلاقل التي كثيراً ما تحدث في الهند، ولتهدئة ثورات النفوس الهائجة حتى يشملها الحب والوئام، أو لتفادي ما تتعرض له من أزمات سياسية، وما يهددها من كوارث اجتماعية. ويرجع توفيق غاندي في استخدام هذا السلاح الديني في السياسة إلى أسباب أهمها:
فهم غاندي العميق لمزاج شعبه الروحي، ومعاملته بالأسلوب الوحيد الذي يصدع له دائماً.
ثم دقة حساسية غاندي وصدقها في تلمس خطايا الشعب الحقيقية، وقدرته الروحية ونفاذ بصيرته التي تخترق شغاف قلوب الجماهير، وتشعرهم بأن خطاياهم قد مست أعماق نفسه، فسببت له ألواناً مؤذية من الحزن والألم، فرضى أن يحتمل عناء الصيام ليعفو الله عنهم. وذلك يوجد الفزع في قلوب الشعب الذي يخاف على حياة الزعيم الذي يحبونه كل