إلى سنين مضت غير قليلة، وقد جرى بيني وبين المرحوم الشيخ المراغي حديث في هذا منذ سنين لعلي راجع إليه في (الرسالة) في يوم قريب أو بعيد، ويوم أعود إلى هذا الحديث سيعلم من لم يكن يعلم أن إصلاح الأزهر لم يشتغل به أحد ولم يفكر به أحد. اللهم إلا المتفائلين والمثاليين والخياليين الذين يعيشون يبن الأماني والأحلام، وقد عشنا بها زمناً رغداً، ثم ذهبت عن أعيننا الغشاوة.
مني أن تكن حقاً تكن أعذب المنى ... وإلا فقد عشنا بها زمناً رغدا
كان المصلحون يرغبون أن يكون الأزهر قواماً على نهضة دينية أساسها الفهم والإدراك وسعة الأفق حتى يقوم بها ما ينتاش العالم كله من إباحية وإلحاد وتهجم على فكرة الدين وعلى مجرد الإيمان، وكانوا يرغبون أن توجد في الأزهر هذه البيئة الدينية المؤمنة المدركة لما يقع فيه العالم كله اليوم من أزمة روحية يحسها كل رجل مستنير ويدرك خطرها على القيم الروحية وعلى الأديان كافة، فإن توجد في الأزهر هذه البيئة الدينية المدركة فسينهض منها لا محالة من يحول بين هذه العواصف العاصفة بالإيمان وبالقيم الروحية أن تنزع من صدور الناس وأن تذهب هذه العواصف بما بقى في هذه الصدور من أيمان.
وكانوا يرغبون أن توجد في الأزهر بيئة علمية مدركة مستنيرة تخرج للناس هذا التراث العلمي الإسلامي الفريد، فتجلوه لعيونهم وإفهامهم، وتبرز هذا الركاز العظيم المطمور من علوم العرب والمسلمين في كل فن وعلم، هؤلاء يدرسون هذا التراث بعقولهم المدركة المستنيرة، فيظهرون الناس على ما فيهم من عمق ومن سعة ومن دقة ومن شمول، وهؤلاء يبرزون هذا الركاز المطمور بما ينشرون ويخرجون من كتب ومن مذاهب وآراء ومن شروح وفهارس ومن تبويب.
وكانوا يرغبون في أن يخرج الأزهر للناس طائفة من العلماء منيرة عقولهم شجاعة أفئدتهم (يدركون مسافة البعد بين روح الأزهر وحياة الناس، ويملكون - كما يقول الأستاذ الزيات - تزييف (الأباطيل المقدسة) التي اتسمت بسمة الحق وتسمت باسم الدين).
وكانوا يرغبون في أن يخرج الأزهر للناس طائفة من رجاله يكونون للناس مثلاً في كرم الخلق والحرص على أداء الواجب والزهد في زخرف الحياة وما يطمع الناس فيه من مجد