للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

نقولا الحداد

في محيط النحو:

جرى النحاة على اعتبار كلمة (أشياء) ممنوعة من الصرف، التمسوا لذلك الحكم عللاً غريبة؛ فمنهم من أعبرها اسماً مفرداً منتهياً بالألف الممدودة ليبرر منعها من الصرف؛ وهذا غريب جداً، لأن قصد الجمع واضح كل الوضوح في هذه الكلمة. ومنهم من قرر أنها محولة عن (شيئاء)؛ ومنهم من تعسف فأدعى أنها جمع (شيء) على وزن (سيئ) وقال أنها في الأصل (أشيئاء) على وزن (أدعياء) ثم حصل فيها ما ادعاه من قلب وحذف مما لا محل لعرضه على القارئين.

والذي استطعت أن أهتدي إليه بعد روي وتأمل أن الكلمة جمع (شيء) ووزنها (أفعال) ومثالها جمع (فيء) وهو (أفياء) وحقها أن تكون مصروفة كما صرفت (أفياء) وأمثالها ولا حجة لمن منعها الصرف بورودها غير منونة في الشعر، لأن الضرورة الشعرية تبيح صرف الممنوع والعكس؛ ولكنهم وجدوها في القرآن الكريم في صورة المائدة غير منونة، فقد جاءت في قوله تعالى (لا تسألوا عن أشياءَ إن تُبدَ لكم تسؤكم) ويخيل إلي أن عدم تنوينها ليس نتيجة علة من العلل التي أوردوها ولكنه نتيجة القاعدة العامة التي أتفق عليها النحاة وهي جواز صرف من ع الصرف وصرف الممنوع للتناسب والضرورة، وما التناسب إلا مراعاة الانسجام في جرس الكلمات وأتلاف النغم بين أجزائها؛ ولذلك قرء في المتواتر (سلاسلاً وأغلالاً وسعيراً) وكلمة (سلاسلا) ممنوعة من الصرف لأنها صيغة منتهى الجموع، ولكنها صرفت لتنسجم مع (أغلالاً وسعيراً) وقرء (ولا يغوثا ويعوقا ونسراً) و (يغوث ويعوق) ممنوعان من الصرف للعلمية ووزن الفعل، ولكنهما صرفا في هذه القراءة المتواترة لينسجم جرسها مع (نسراً) وكذلك (كانت قواريراً من فضة قدروها تقديراً). فأن قوارير الأولى نونت لتناسب فواصل الآيات.

فالمحافظة على حسن الجرس والانسجام من عادة العرب، والقرآن الكريم نزل على رسول الله بلسان عربي فلما لا نقول أن كلمة (أشياء) لم تنون لظرف خاص في محيطها في الآية الكريمة إذ لو نونت لتوالى مقطعان من لفظ واحد يحدث منهما شيء واضح من الثقل الذي

<<  <  ج:
ص:  >  >>