للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وقد اصطبغت هذه النظرية الدينية بصبغة (رومانتيكة) صبغها بها الكتاب الذين تأثروا بالمذهب (الرومانطيقي) أمثال (فريدريك شليكل) (١٧٢٢ - ١٨٢٩م) في كتابه (فلسفة التاريخ). وهو من كبار أصحاب المذهب (الرومانطيقي في ألمانيا) وبالمس (١٨١٠ - ١٨٤٨م) والفيلسوف البروتستانتي روشول و (كروب)

وكان من نتائج تقدم العلوم الطبيعية وشيوع الآراء العقلية التي تطرد كل ما لا يقبل التصديق عن العقل ولا تؤمن إلا بالتجربة وشيوع المذاهب المادية ومحاولة العلماء تطبيق القوانين والنتائج التجريبية حتى على العلوم العقلية البحتة. وقد قوت الثورة الفرنسية هذه الحركة وساندتها نظرية داروين المعروفة وما أعقبها من آراء طبقت في التاريخ وفي علم الاجتماع وعلم النفس.

وكانت الطرق التاريخية المعروفة تعتمد إلى درجة كبيرة في سرد الحوادث على ذكر (الأفراد) الموهوبين الذي كانوا يصنعون التاريخ على حد قول أكثر المؤرخين. وقد خالف القائلون بالمذهب المادي في التاريخ هذا الرأي، وأشادوا على العكس بفعل الجماهير وأثرها العظيم في تكوين الأفراد. وقد تولد من هذه النزعة المادية التي دخلت التاريخ ما يعرف بالمذهب المادي في التاريخ.

والفكرة المادية قديمة جداً في الواقع؛ فهنالك أناس نادوا بها في عالم اليونان مثل وكان من المعاصرين للفيلسوف (٥٠٠ قبل الميلاد) والذين كان من تلاميذه (ديمقريط) ومثل (أبيقور) الذي أرجع أصل كل شئ إلى المادة. وكان هنالك جماعة آخرون.

غير أن المسيحية وقفت هذه الحركة المادية، وعرقلت انتشارها طيلة القرون الوسطى وما تلاها ذلك إلى أن كتبت لها العودة ثانية في القرن الثامن عشر الميلاد، فأخذت توجد لها أنصاراً وأعواناً إلى أن شملت جماعة من أصحاب العلوم العقلية، كالفلسفة والتاريخ، وقد ظهرت في التاريخ على شكلين: شكل يقال له (المادية البيولوجية) وشكل يقال له (المادية الاقتصادية) أو (المادية الاجتماعية وأحيانا (الديالكتيكية المادية).

(البقية في العدد القادم)

جواد علي

<<  <  ج:
ص:  >  >>