إن هذا التفسير للتطور التاريخي هو تفسير ديني، وهو تفسير يتقارب في الأفكار العامة مع تفاسير رجال الأديان وإن كان يتعارض مع التفاصيل ومن له مصدر هذه السلطات. ويتقارب (البروتستانت) في التفسير التاريخي مع هؤلاء على الرغم من اختلافهم عن الكاثوليك في سلطة (البابوات) ورجال الدين. وربما كانوا أقرب إلى نظرية (أوغسطين) من إخوانهم الكاثوليك.
وممن دافع عن هذه النظرية المؤرخ (بوسويه)(١٦٢٧ - ١٧٠٤م) في كتبه التي ألقاها في التاريخ؛ فعنده أيضا ان نهاية التاريخ هي تحرير الإنسانية من (الخطيئة) إقامة حكومة الله. وقد اعترف في كتبه سلطتين في العالم سلطة الكنيسة وسلطة الدولة، وسلطة الكنيسة بالطبع هي العليا لأنها تمثل مبادئ الله على هذه الأرض. وعالم آخر إيطالي هو (ويشو)(١٦٦٨ - ١٧٤٤م) وهو صاحب أبحاث قيمة في التاريخ؛ وعنده أن تطور كل أمة يخطو خطوات ثلاثا (ثيوقراطية) و (مرحلة القوة والبطولة) و (المرحلة الإنسانية). حيث تسود فيها قوانين الله وشريعة العقل، ويسير الله في كل هذه المرحلة وعند جميع الأمم هذه الأدوار بحكمته وإرادته ويربط فيما بنيها؛ ولذلك يسير التاريخ على الرغم مما نراه من استقلال ظاهري متضامنا يؤثر بعضه في بعض، والكنيسة هي أعلى مؤسسة ثقافية ظهرت في التاريخ البشري، وسيكون النصر لها. وهنالك مؤسسات ثقافية أخرى ظهرت عند البشر هي الثقافة العبرانية واليونانية والرومانية وقد أزالتها الحضارة المسيحية سيدة الحضارات.
وقد صيغت هذه النظرية المسيحية للتاريخ في أسلوب واضح حديث عند بعض المؤرخين مثلدمستر (١٧٥٤ - ١٨٢١م) وهو إداري وفيلسوف فرنسي، وكان بمثل الكاثوليكية المحافظة في نظريته عن الدولة وأثناء ممارسته للسياسة. وكان يرى أن سلطة البابوية فوق سلطات الملوك والحكومات يجب أن تكون كذلك لأنها تمثل إرادة الله التي هي فوق كل إرادة والفيلسوف فو جورس (١٧٧٦ - ١٨٤٨م)، وهو الكاتب السياسي الذي أيقظ الروح الكاثوليكية وصبغها بالصبغة (الرومانتيكية) ودعا وهو بلاط الملك (ليدويك) ملك (بافاريا) إلى إرجاع السلطة المقدسة العليا إلى مكانتها السابقة وإلى الاعتراف بها على أنها أهم مرجع يجب الركون أليه حل المشكلات.