بدا لي أن أكتب في هذا الموضوع الذي تستطيع أن تقول إنه ليس موضوعاً، وإنما هو بحث عن موضوعه. وسواء اتفقنا على أنه موضوع أو أنه غير موضوعأم لم نتفق على شئ من ذلك فالأمر الذي لاشك فيه أني دفعت إلى الكتابة فيه دفعا وحملت عليه حملا. فأنا أريد أن أملأ هذه الصفحات الثلاث التي أملؤها كل اسبوع، والمطبعة تريد أن تملأها أيضاً، والقراء ينتظرون أن يقرؤوها أو بعبارة أخرى يريدون أن يملؤوا هم أيضا فراغهم بقراءتها.
كتبت من هذه الصفحات الثلاث ما كتبت، ثم رجعت إلى ما كتبت، وقسمته إلى ما تعودت أن أكتب كل أسبوع، فوجدته أقل منه بحيث لا يسد الفراغ، ولم أجد عندي ما أكتبه، أو قل لم أجد أدبا ولا فنا ولا شيئا يصح أن يقال عنه إنه أدب أو فن أو شبيه بالأدب والفن من قريب أو من بعيد.
هذه الصحف وهذه المجلات، يومية وأسبوعيه وشهرية، يحررها محررها ويكتبها كاتبوها في هذا الحر الشديد، لأنها لا تتوقف عن الصدور في الصيف كما لا تتوقف عن الصدور في الشتاء. تقرأ هذه الصحف وهذه المجلات يصبح الصباح، وحين يرتفع الضحى، وحين يقبل المساء، فلا ترى فيها أدبا أو فنا أو شيئا من قبيل الأدب والفن يترك في نفسك أثراً أو صدى بعد قراءته، ويظل عقلك فارغا من هذا الأثر وهذا الصدى كما كان قبلهذه القراءة.
وهذه القاهرة تكاد تخلو أنديتها وهيئاتها الثقافية الرسمية وغير الرسمية، تكاد تخلو من كل نشاط أدبي أو ثقافي في هذا الصيف كما تعودنا أن نراها كل صيف.
قلت لصاحبي: ماذا أصنع هذا الموضوع؟ فقال في شئ من الإنكار: وهل هو موضوع؟ فلم أجد مناصاً ولا مفرا ولابدا من أن أتمثل بهذا البيت الذي طالما تمثلت به قبل الآن وسأتمثل به في كل آن:
أيتها النفس أجملي جزعاً ... إن الذي تحذرين قد وقعا
وأكبر الظن أن أوس بن حجر حينما قال هذا البيت في رثاء فضالة الأسدي لم يكن يخطر له على بال ولم يكن يدور له في خلد أنني سأتمثل به حينما أقع في أزمة الأدب والفن في هذا الأسبوع.