للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قلت: لا تخف، فبعد ساعتين سنصل إلى حلب. . . أنظر إلى أسفل، ها نحن نجتاز رأس الناقورة. . . فتطلع تاجر الأعنام من النافذة. . . وحدث في هذه البرهة أن هبطت الطائرة في فجوة هوائية، فانتفض رفيقي، واسترخى على مقعده، وراح يؤنب نفسه قائلاً: (أجننت يا أبا محمود. . . ما لك وركوب الطائرة. . . سافر في السيارة. . . أو في الدلجانس. . . الله يرحم أيام الدلجنس. . . أو على حمار. . أو مشيا على قدميك. . . ولكنك تريد السرعة، والآن ستكلفك هذه السرعة حياتك. . . يا لك من شقي جاهل يا أبا محمود). . . (وأخذ يبكي).

ولما دخلت طائرتنا وسط غيوم كثيفة رفع تاجر الأغنام ناظريه إلى وقال: أين نحن الآن؟.

قلت: وسط الغيوم.

قال: في السماء؟.

قلت: نعم.

قال: في أي سماء؟!

قلت: اجتزنا السادسة وعلى وشك الدخول في السابعة! فصرخ بأعلى سوته: الله أكبر. . . الله أكبر. . الله أكبر!. .

ثم ارتجت الطائرة فجأة ومالت إلى اليمين، ثم انحرفت إلى اليسار. . . ثم هوت في فجوة هوائية بعنف. . . فشددت الحزام على وسطي. . . أما تاجر الأغنام فكان يتمتم قائلاً: اللهم اغفر لنا ذنوبنا، ولا تجازينا إن أسأنا أو أخطأنا، اللهم أدخلنا في زمرة عبادك الصالحين، آمين يا أرحم الراحمين.

ثم ألتفت إلي وقال: أبنائي أمانة في عنقك!

قلت: وماذا تعني بذلك؟. .

قال: أبنائي ليس لهم من معيل غيري. . أستحلفك الله أن تتردد عليهم دائما، وأن تمد لهم يد المعونة إذا ما احتاجوا لها لا سمح الله. . . دعهم يبيعون الأغنام أو يقتسمونها فيما بينهم. . . وقل لأم محمود بأن تكرس حياتها في تربية أولادها. . . آه إني أشعر بدنو الأجل!. .

قلت: ولكن إذا أصيبت الطائرة بكارثة فسيقضى علينا معاً! وارتجت الطائرة ارتجاجا عنيفاً، ثم هبت علينا عاصفة مصحوبة بالرعد، والبرق، والأمطار فحلقت بنا الطائرة عالياً،

<<  <  ج:
ص:  >  >>