للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وكانت أثناء تحليقها هذا تهوى بين حين وآخر في فجوات جوية. وفي هذه اللحظة أطل علينا عامل الراديو من كونه وناولني ورقة فلم أطلع على مضمونها لاعتقادي أنها تحدثنا عما قطعناه من مسافة وما تبقى منها لنصل إلى حلب. . . أما رفيقي تاجر الأغنام فكان مستلقيا على مقعده مغمض العينين، متهدل الشاربين، مرتخي اليدين.

وهبطت بنا الطائرة في مطار حلب، وأبو محمود لا يزال يعتبر نفسه في عداد الهالكين. . . فهززته قائلاً: أنهض أيها الرجل لقد وصلنا!.

ففتح عينيه الذاهلتين وقال: أين نحن الآن. قلت في حلب.

فنزلنا من الطائرة، وسمعت تاجر الأغنام يقول: هذه هي السفرة الأولى والأخيرة بالطائرة. . لقد نجانا الله!.

فضحكت منه، وربت على كتفه، وافترقنا.

ولما بلغت النزول حلب، أخذت أفحص ما في جيبي من أوراق، فعثرت على ورقة عامل راديو الطائرة التي ناولني إياها ونحن نجتاز الزوبعة. . وقرأت فيها:

(نطير الآن على ارتفاع أربعة عشر ألف قدم. . لقد تعطل أحد محركي الطائرة! نجتاز زوبعة عنيفة شد الحزام على وسطك إذ ربما نضطر إلى الهبوط في أي مكان!.)

والحق يقال إنني ما كدت أنتهي من قراءة هذه الورقة حتى أحسست بقشعريرة تنتابني من قمة رأسي حتى أخمص قدمي. ومرت بي فترة من الزمن تعرضت فيها إلى ذات الرعب الذي تعرض له تاجر الأغنام وهو في الطائرة. . . ثم رحت أسائل نفسي: هل تنبأ عقل تاجر الأغنام الباطن بما لم يتنبأ به عقلي؟. وهل كان لرعبه علاقة بشعورة مقدما بكارثة كادت تقع؟!.

نجاتي صدقي

<<  <  ج:
ص:  >  >>