يقول المؤلف في مقدمة كتابه عن هذا العصر المغبون (ولقد راعني ما أصابه من جفاء، وهالني ما ناله من صد، وما رمى به حينا من أنه عصر ظلمة وتأخر، وانحطاط وتقليد مع أنه جليل الخطر، عظيم الأثر ولم تقدم لنا منه الكتب الحديثة إلا صبابة لا تنقع غلة، وثمالة لا تروى طالب نشوة، لذلك أحببت أن أدرسه، وأطيل الوقوف بمعالمه حتى أصل إلى قرار الحق فيه، وعولت على الرجوع إلى ما كتبه بنوه الذين عاشوا فيه، آتياالبيوت من أبوابها، فهم أصدق حديثا، وأقرب مرجعا، وأجمل نجوى، وأغراني البحث والقراءة حتى وجدتني غارقا محيط من مؤلفات لا عدد لها، فيها الغنية لكل أديب، والمنهج لكل ناهج، وهي كالبحر لا ينضب معينه، وكالسيل لا تفيض عيونه، حينئذ انبهرت عيني، وما جت الآمال في نفسي موجا ووددت لو استطعت أن أضع موسوعة جامعة في أدب هذا العصر تكون منه للقارئ بمثابة المائدة الشهية التي تضم ألف طعام وطعام. . . .)
ولقد قصر المؤلف هذا الجزء على التاريخ السياسي للعصر المملوكي ممهدا له بكلمة موجزة عن التاريخ المصري من العهد الفرعوني إلى عهد المماليك، ولجأ إلى الإسهاب حين تكلم عن أضل السلاطين، وكيف انتقل إليهم الحكم من الأيوبيين، ولم يترك من رجال الدولتين (البحرية والبرجية) مملوكا دون أن يخصه بترجمة وافية مذيلة بالمراجع التي ورد إليها الكاتب، وقد اهتم كثيرا برجال السلطنة البارزين كالظاهر بيرس قلاوون والغوري وطومان باي، ثم عرج على نواب السلطنة فأفرد لهم أكثر من مائتي صحيفة تنطق بأعمالهم البارزة، وتسجل على المحسن إحسانه، وعلى المسيء إساءته في دقة وشمول.
على أني أخالف الأستاذ في ناحية هامة تشيع في مؤلفه، فقد حرص كل الحرص على أن يترجم لكل من ولى السلطنة أو ناب عنها وكذلك من تحدث عنهم فيها بعده من القضاة والخلفاء وفي هؤلاء جميعا من لا يستحق أن يكتب عنه سطر واحد، حيث كان فردا عاديا، لم يخلف أثرا، ولم تحدث في عهده من المفاجآتالسياسية ما يدعو إلى الحديث عن زمن ولادته، أو مدة حياته، أو آونة وفاته!! وإنما ولى وعزل وكأنه لم يولد، فلم إذن نتعب أنفسنا في تراجم أصنام آدمية، فذف بها الزمن في قرار سحيق!!
ومن المؤرخين من يسهب في الحديث عن الحكام والرؤساء دون أن يتعرض للحياة