الاجتماعية في العصر الذي يؤرخه، وكأنه يؤمن بأن تاريخ الشعب يتمثل في تاريخ ملوكه، ولكن الأستاذ محمود رزق يفطن إلى خطأ هذا الوهم، فيخص القسم الثاني من الكتاب بالكلام عن الناحية الشعبية، فيتعرض للتقاليد والعادات التي شاعت في المجتمع المصري، إذ يصف حفلات الزواج والمآتم والختان، ويتحدث عن ليالي السمر وأيام الأعياد والمواسم، وخروج المحمل وعودته، كما يعتني اعتناء تاما بأخبار النيل والفيضان فيتحدث عن الجسور والتروع والمقاييس ويميل إلى وصف الاحتفال بوفاته السنوي، وإن كان المؤلف لا يجيد - أيضا - عن استقصائه الشامل فهو يملأ أكثر من عشرين صحيفة بأرقام الصعود والهبوط وتواريخ الزيادة والنقص، وهذه مغالاة لا تفيد القارئ في شئ وما دامت هذه الصحائف العديدة تسير على وتيرة واحدة فيكفى أن يسطر الكاتب نموذجا مختصرا منها على سبيل المثال!
ولا أكتم إعجابي بالفصل القيم الذي كتبه المؤلف الفاضل عن القضاة فقد استسقاه من أصفى المراجع، وأبدع في عرضه إبداعا عجيبا، فوصف جلوس السلطان للقضاء، ونظره في المظالم والخصومات، ودلف إلى حقه الشرعي في مصادرة الأملاك، وتدخله الرسمي في أحكام القضاة، مبينا بعض ما حدث من مشادة عاتية بين الحاكم والمحكوم، ثم انتقل إلى القضاء الشرعي، وكيف اختص به الشافعية بادئ الأمر؟ ثم اشترك فيه علماء المذاهب الأربعة على السواء، وما شعور الشافعية إزاء ذلك؟ ومن هو صاحب الحق في العزل والتعين؟ وكيف كان يحدث ذلك؟ وبعد جولة ممتعة في هذا المضمار، ختم فصله الجيد بطائفة من التراجم الموجزة لأعلام الفقة والتشريع، كل ذلك في سلامة ووضوح.
ولقد كان الأستاذ منصفا كل الإنصاف حين تعرض إلى محاسن هذا العصر ومساوئه فذكر من الأولى صد الهجمات المعادية من التتار والإفرنج، ورصد الأوقاف وبذل الأموال، والثانية احتقار السلاطين للشعب وإهمال حقوقه السياسية وفداحة الضرائب وانتشار الجهل والأوبئة والزلازل، وذلك جميل من باحث متحمس كتب كتابة ليمجد العصر المملوكي فدفعته الحقيقة إلى الاعتراف بالواقع المرير.
وبعد فلقد قرأت هذا الكتاب من ألفه إلى يائه، فرأيت من الواجب أن ألفت الأنظار إلى مادته الغزيرة ومعلوماته الضافية راجيا أن يعمل مؤلفه الفاضل على إنجاز ما لم يطبع من