حد كبير ولا سيما لدى فنان ملهم موهوب مثل بيتهوفنوحاسة السمع لا تلعب إلا دورا ثانويا وهذا الصدد وإنما العامل الأول في الإنتاج هما ذكاء القريحة وقوة الخيال وقد وهبه الله منهما قسطا وافرا. والموسيقى فن فوق الاحساسات المادية وهي لغة الوجدان وترجمان العواطف.
إن عاهته لم تعقه عن النبوغ والوصول إلى درجة الكمال في فنه كما أن أحزانه قد صهرت نفسه وطهرته من أدران المادة كما أرغمته أن ينزوي وينقطع لفنه ويعيش من أجله كما خلقت في نفسه (مركب نقص) دفعه إلى طلب الكمال كما تفعل مركبات النقص والعاهات في النفوس الكبيرة التي تغالط ف حقائق الواقع وتتحدى الأقدار.
وقد وصف ذلك الكاتب الألماني بيوش وصفا بليغا قال فيه:
(أيها الساري إذا ما مررت بالقرب من داربيتهوفن في دجى الليل فلا ألتمس منك أن تسير رويدا وتقبض أنفاسك كما تهمس في أذن عشيقتك مخافة أن تزعجه ولكن سر ما بدلك وأملا الدنيا ضجيجا وغناء بصوتك الآدمي الخشن لأن (موجات) ما تحدثه من ضوضاء لا تجد طريقها إلى أذن بيتهوفن رب الألحان وإله الفن وقد ترفعت أدناه عن سماع همس النسيم يداعب ما جف من أعشاب الحقول وهديل الحمائم وتغريد البلابل وسجع الهزار فكيف الحال بصوتك الأجش المنكر؟! إن في نفسه تتفجر ينابيع الفن وتجري أنهر من اللحن العذب تروى عطاش ما جف من زرع أنفسنا فيأتي بالثمر الشهي وتجنبه جنبا هو البر والحب والجمال).