الأدب بغيره من ألوان العلم والفن، إن الأدب ليتصل اتصالا عميقا بالتصوير والموسيقى حين يلتقي معهما في مجال واحد هو مجال التعبير الفني عن قيم الجمال في الكون، ويتصل اتصالا عميقا بالتاريخ حين يبحث الدارسون عن أثر البيئات المادية والمعنوية في توجيه الإنتاج الأدبي، ويتصل اتصالا عميقا بعلم النفس حين ينظر النقاد إلى العمل الفني على ضوء المؤثرات النفسية والدوافع الوجدانية، ويتصل بغير هذا وذاك في ميدان الروابط والعلاقات.
ولا أفهم مرة أخرى أن يقتصر بعض الأدباء على الثقافة المحلية وحدها دون أن يتزودوا بغيرها عن طريق لفة من اللغات، ولا أفهم أن يقتصر غيرهم على الثقافة الأجنبية وحدها دون أن يكملوا شخصيتهم الأدبية بروافد من تراثهم الفكري ولأصيل!
هؤلاء وأولئك لا أملك القول بأنهم مثقفون، لأن ذلك (المثقف) الذي يعرف الكثير عن تاريخ الفكر الغربي ولا يعرف إلا القليل عن تاريخ الفكر العربي، ذلك المثقف في رأي البعض ليس مثقفاً في رأي. . . وقل مثل هذا إذا ما عكسنا القضية فنقلناها من وضع إلى وضع ومن حال إلى حال!
ومن عناصر الشخصية الأدبية أن يعرف الكاتب أين يضع مواهبه، فلا يدفع بها إلى ميدان لم تخلق له، وأين يركز ملكاته فلا يوجهها التوجيه العقيم الذي لا ينتج ولا يثمر، عندئذ يجدي التركيز حيث لا يجدي التشتيت، ويغنى الجهد الذي يبذل في مكانه عن الجهد الذي يبذل في غير مكانه. . . هذا الناثر الذي يعالج نظم الشعر فيخفق، وهذا الشاعر الذي يحاول كتابة القصة فلا يوفق، وهذا القاص الذي ينحرف بريشته إلى النقد الأدبي فلا يوفق، وهذا القاص الذي ينحرف بريشته إلى النقد الأدبي فلا يخرج بشيء. . . كل هؤلاء ينقصم هذا العنصر من عناصرالشخصية الأدبية عنصر الدراسة الخاصة لقيم المواهب والملكات!
وأعود فاقرر ما سبق أن قررته من أن الكرامة العقلية هي الركن الأول لذي يشرف على كل ما عداه من أركان الشخصية الأدبية. . . إن الكرامة العقلية من شأنها أن تخلق الضمير الأدبي، وأن تحول دون الاتجار بالفن، وأن تربى النزعة الاستقلالية، وأن تدفع إلى سعة الاطلاع، وأن تعين على أن يعرف الكاتب أين يضع ملكاته ومواهبه.