في المهد، فلا تبارح مخيلته حتى يغط في رقاده الأبوي العميق!!
ولا نجد بأيدينا من المصادر المعتمدة فيما يتصل بالجن غير ما جاء في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فقدذكر الله عز وجل في كتابه بعض ما كان يعتقده الجن، حيث كانوا يعوذون برجال منهم إذا ضربوا في البيداء واشتمل عليهم الظلام حذروا مما يتأكدونه من بطشهم العارم، وقوتهم الخارقة، كما ذكر إيصال الجن بالسماء قبل البعثة النبوية، فيسترقون السمع، ويتنبئون بالغيب، وبين - جل ذكره - كيف حرم عليهم الاستراق. فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا. ولك أن تفهم من ذلك سلطان الجن على الإنس، وكيف شغلوا جانبا من تفكير الأعراب وتأملهم، فلا غرو أن وضعوا عنهم الأساطير وأكثروا من نوادرهم العجيبة، فيما سجلته عليهم كتب الأدب وصحائف التاريخ!!
والجن في كل زمان ومكان لغز مبهم تبذل الجهود الدائبة في حله فلا تستطيع أن تفك غامضة. ومن التوافق العجيب أن الأساطير الدائرة حول هذا النوع من المخلوقات، تكاد تكون متحدة متشابهة، فكما تزعم الأساطير العربية قدرة الجن على التشكل والتنوع، وملازمتهم الأمكنة الخالية، وظهورهم مع الأشباح في حندس الليل، كذلك نجد الأساطير الأوربية تؤكد هذا الزعم، واقرأ إن شئت ما سطره شكسبير في روايتي:(العاصفة)(وأبيرون) تجد حديثا مسهبا عن الجن لا يكاد يخرج عما تطالعك به الخرافات البدوية، بل عما سمعته في طفولتك من العجائز الأميات!! اللهم إلا بعض اختلافات يسيرة تحتمها طبيعة المكان، وظروف المناخ. فالأخبار العربية (مثلا) تؤكد ظهور الجن بكثرة في الفيافي والقفار، والأساطير الأجنبية تعلن وجود هذا النوع في أعماق المحيطات، وشواطئ البحار. وقد يكون ما ذكرناه من التشابه راجعا إلى اتفاق المصادر السماوية في الحديث عن الجن، فكانت عنصراً هاما للتوليد والاستنتاج ويجب أن لا ننسى أن ثقافتنا الحديثة، قد وقفت حائلا منيعا أما أساطير البدو عن الجن وسائر الكائنات الغيبية، فلم تصادف من الذيوع ما صادفته الخرافات الأجنبية، لأن القريحة العربية الحديثة التي ارتوت بفيض زاخر من العلوم العقلية تزن كل حديث بميزان المنطق، فما رفضه الفكر السديد حاربتة وفندته، ولكن الغربيين قد احترموا الخيال كما احترموا الحقيقة على السواء فهم مع تسليهم بوهم هذه الأساطير قد اتخذوها مجالا للعبرة والعظمة، فاستنبطوا منها المغزى الخلقي، والمرمى