بالضرورة فيكفر جاحدها؟ أم نحن نشك في روايتها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بصورتها الحاضرة؟ أم أغلق باب الاجتهاد في فروع اللغة كما أغلق عند جمهور العلماء في فروع الفقة؟ الهم لا هذا ولاذاك؛ وإنما قصدت في كلمتي السابقة أن التمس الوجه الصحيح الخالي من الحدس والافتراض والتكلف لورود كلمة (أشياء) في القرآن الحكيم على صورة الممنوع من الصرف، وإن بدا رأيي جريئاً غير مستساغ عند بعض الناس فحسبي أن يكون رائدي حسن النية، وأن فتح البحث أمام الذين يبحثون في وسائل تيسير النحو في هذه الآونة على المعلمين حتى اقترحوا حذف (الممنوع من الصرف) من منهج التعليم الابتدائي لا نزاع في إن البحث من الجفاف بحيث لا يحمل الخوض فيه على صفحات المجلات، ولذلك عرضته ملخصاً في الكلمة الأولى وما زلت على خطتي في هذه الكلمة، وأن عسيراً أن أجشم القارئ درس موضوع من أيسر مسائلة ادعاء بعضهم أن (أشياء) اسم جمع مثل (طرفاء) قدمت الأمة فصار على وزن (لفعاء)؛ كل ذلك ليبروا وروده ممنوعا من الصرف في سورة المائدة، وأنا بلا ريب أستحسن كثرا رأى (الكسائي) الذي أورده الأستاذ الفاضل محمد غنيم في كلمته القيمة وملخصة أن (أشياء) جع (شئ) جاء على صيغته الأصلية، ولكن منع صرفه لكثرة استعماله في الكلام تشبها له بالاسم المؤنث المنتهى بالألف الممدودة، هذا أشبه بالحق، وأدنى إىل حسنا الذوق ولكن ماذا لو التمسنا للمسألة وجها آخر؛ مع التسليم المطلق بصحة الرواية، أنا لا أزال أقول إن ورود الكلمة على صورة الممنوع من الصرف مبني على القاعدة النحوية المشهورة التي أوردها (ابن مالك) حيث قال:
ولاضطرار أو تناسب حرف ... ذو المنع والمصروف قد لا ينصرف
وقد طابق هذه القاعدة كثر من استعمالات العرب، وخرج عليه بعض آي الذكر الحكيم؛ وقد أشرا إلى ذلك في الكلمة السابقة؛ والمسألة ترجع إلى الذوق الموسيقي المعبر عنه (بالتناسب) في كلام (ابن مالك) وإنه لو وردت (أشياء) مصروفه في الآية الكريمة (لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسوءكم) لتكرر حتما مقطعان بلفظ واحد، وكان ذلك مخلا إلى حد ما بحسن الجرس والتناسق ولا شك أن القرآن الكريم في المكان الأول من رعاية هذا التناسق، والسلامة من كل مظان التنافر، وهذا - كما قلت - من أعظم وجوه الإعجاز،