وقررت الثانية أن توقعه في شراك الحب. فقربته منها، ودعته بالصبي، وانحنت فوقه لينتشي العطر الفاخر الذي يفوح من شعرها، وأخذته بين ذراعيها، وحدثته عن مباهج الحياة التي لا يتذوقها إلا كل مقدام جرئ. ثم ذهبت إلى غرفته ذات مساء، وقرعت الباب ثم قرعت. . . دون جدوى.
وقالت الثالثة أن التسلية هي ما يحتاجه هذا الصبي. فذهبت به إلى المقهى والملاهي وأماكن الرقص وطفقت تذيقه الخمر. ولكن كل ذلك لم يحرك شعرة من رأسه. وثمل مرة، ولكنه جلس صامتا جامدا، كالحجر الأصم، وقد علت وجنتيه بقعتان قرمزيتان. وعندما عادت به إلى غرفته كان قد استرد وعيه، فحياها في الشارع كأنهما قادمان من كنيسة. . . وحاولت ثم حاولت. . دون جدوى.!!
وبعد محاولات عديدة يأسن منه النساء - لأن روح العطف لا تموت عندهن إلا بصعوبة - ومع ذلك فكن لطيفات معه، يدعونه في معارضهن، ويحادثنه في المقهى. وكان هذا هو كل ما يستطعن الحصول عليه منه.
واعتقد تمام الاعتقاد أنه يوجد شيء مريب مستخفياً في طيات نفسه. أنه لا يمكن أن يكون بريئا كما يظهر لهن. ولماذا تجئ إلى باريس إذا كنت تريد أن زنبقة في الحقول؟ أنهن لا يشتهين ولكن.
كان يعيش في أعلى بناء شامخ بجانب النهر، من تلك المباني التي تخالها خيالية في الليالي الممطرة والقمرية، وإذا بك لا تشتم في داخلها رائحة الخيال طوال السنة. وكانت غرفته تطل على منظر ساحر والنافذتان الكبيرتان تشرفان على الماء حيث الزورق تتأرجح وتتمايل. وكان أمام النافذة الجانبية منزل صغير يطل على سوق لبيع الزهور تظللها مظلات عديدة انسابت من شقوقها الأزهار حقا أنه لا يحتاج إلى الخروج، فهو يجدما يجتذبه إذا ما جلس بجانب النافذة، وما يجعله يمكث في غرفته إلى م شاء الله حتى لو ابيضت لحيته واستطالت.
كم تكون دهشة هؤلاء السيدات اللاتي تحدثن عنه إذا ما تمكن من اغتصاب باب غرفته؟ لقد كانت غرفته مثالا للعناية والنظافة وحسن الترتيب، فالأواني معلقة على الحائط خلف الموقد الغازي، وطبق البيض وقدح اللبن وإبريق الشاي على الأرفف، والكتب والمصباح