على المائدة، والستارة الهندية المزركشة بالرسومات منسدلة على فرشه، واللوحة الصغيرة المنمقة أمام عينيه بجانب الفراش وقدكتب عليها بخط واضح (استيقظ بسرعة)
كان كل يوم عنده مثل سابقه. فعندمايغمر الضوء غرفته يستميت في عمله، ثم يطهى طعامه وينظف حجرته. ويذهب في المساء إلى المقهى، أو يجلس يقرأ ويكتب عائمة معقدة يبدأها (ما الذي يمكن عمله؟) ويختمها بقسم (اقسم ألا أزيد عن صرف هذا المبلغ في الشهر القادم. الإمضاء - أيان فرنش).
لم يكن هناك ما يدعو إلى الريبة في كل هذا، كما يدعين، ومع ذلك فقد كن على حق، لأن ذلك لم يكن كل شئ.
ففي ذات مساء كان جالسا بجانب النافذة يأكل البرقوق ويرمي بالنواة على قمة المظلات في سوق الأزهار الخالية. وكانت السماء تجود مصرا، أول مطر للخريف في ذلك العام. والبرق يلمع في كل مكان. والهواء يحمل في جوانحه شذى البراعم، وقد خفتت الأصوات التي ما زال صداها يرن في الجو القائم، واقترب الناس من نوافذهم يتطلعون إلى فعل الطبيعة، ويشاهدون الأشجار وقد بدأت تورق وتزدهر. وساءل نفسه أي نوع من الأشجار تلك التي يشاهدها؟ وأقبل العامل المكلف بإنارة مصابيح الشارع، وابتدأ في إضاءة المصباح القائم بجانب المنزل أمامه، ذلك البيت المتداعي، وفجأة كاستجابة لنظراته، فتح مصراعا نافذة وأقبلت فتاة إلى الشرفة تحمل أصيصا من الأقحوان، كانت نحيفة نحافة ملفتة للأنظار، وترتدي مئزرا قاتما، وقد عقدت على شعرها منديلا وهي مشمرة الأكمام وذراعاها يلمعان في الظلام.
وسمتها تقول (نعم، إن الجو حار وذلك. يساعد الزهور على النمو) ثم وضعت الأصيص على الأرض والتفتت إلى من تحدثه داخل الغرفة. ثم استدارت ووضعت يديها على المنديل وجعلت تنظم خصلات شعرها، وألقت نظرة على السوق الخاليةثم إلى السماء، ولكنها لم تلتفت إليه كأن المكان الموجود فيه ليس إلا خلاء وكأنه لا يوجد أمامها منزل مقام. ثم اختفت داخل الغرفة.
وسقط قلبه من نافذة غرفته إلى شرفة المنزل المقابل، واستقر داخل أصيص الأقحوان تحت البراعم التي كانت على وشك التفتح. وسمع أصوات الأطباق وهي تغسلها بعد