العشاء، ثم أقبلت إلى النافذة، ونفضت ممسحة صغيرة في الهواء ثم علقتها على مسمار حتى تجف.
. . . لم يسمعها مرة تغني أو ترفع ذراعيها إلى القمر كما تفعل الفتيات. كانت ترتدي دائما نفس المئزر القاتم وعلى شعرها ذلك المنديل الأحمر. من يعيش معها؟ إنه لم يشاهدسواها بالقرب من هاتين النافذتين. ومع ذلك فكانت كثيرا ما تتحدث إلى من بالغرفة. لعلها والدتها العاجزة. ولعل والدها توفى. ولعله كان صحفيا شاحب اللون طويل الشارب أسود الشعر.
أنهما يعملان طوال اليوم ما يكفي لمدهما بالقوت الضروري ولكنهما لا يخرجان من منزلهما قط، ولم يشاهد لهما أصدقاء.
وعندما جلس على مائدته، كان عليه أن يكتب إقرارا جديداً وقسما جديداً بألا يذهب إلى النافذة إلا في ساعات معينه، وألا يفكر فيها حتى ينتهي من عمله اليومي.
كان ذلك بسيط جدا. لقد كانت المخلوقة الوحيدة التي يود أن يتعرف بها. أنه لا يحتمل الفتيات الضاحكات ولا يجديه أن يتعرف بالنساء الناضجات. لقد كانت في مثل سنه وعلى شاكلته.
وجلس في غرفته متعبا مسند ذراعية خلف رأسه، محدقا ناحية نافذتها. وتخيل نفسه موجودا معها وجعل يصفها لنفسه كما يصورها له خياله. كانت ذات طابع حاد. وكثيرا ما كانا يتشاجران في حرارة. وكانت لها طريقتها في الوقوف أمامه في عناد وغضب. ولم يشاهدها تبتسم إلا نادرا عندما كانت تخيره عن الهرة الصغيرة التي تربيها، والتي كانت تزأر كأنها الأسد عندما تقدم لها الطعام. واعتاد الجلوس بجانبها في هدوء كما يجلس الآن وقد أطبقت يديها على حجرها ووضعت قدميها تحت المقعد الجالسة عليه، وهي تتحدث في صوت خفيض أو تظل صامته، مجهدة من عناء عمل اليوم. ولم تسأله بالطبع عن عمله. وكان يرسمها في أوضاع جميلة. ولكنها كانت تكره كل هذه الرسومات، وتدعي أنها لا تمثلها مطلقا. ولكنه معذور. . . . إنه لم يتعرف بها حتى الآن. ومن يدري؟ فلعل ذلك يستغرق منه سنين طويلة.
ثم وجد أنها تخرج مساء كل خميس لتشتر حاجيات المنزل. ولاحظها خميسين متتالين وهي واقفة أمام النافذة، وقد ارتدت معطفا قديما حملت سلة في يدها. كان لا يمكنه مشاهدة