الصغير كبيراً، فإذا اشتملت عليه الغيطان، وسمع صياح بومة أو مجاوبة صدى، تصور في نفسه كل باطل. وربما كان أحدهم كذاباً فيأتي بشعر يزعم فيه أنى رأي الغيلان وكلمها ثم يتجاوز ذلك، فيقول قتلتها، ثم يتجاوز ذلك فيقول رافقتها وتزوجتها) ويستفيض حديثه بين الناس فتسيل به الأندية والمجتمعات)!.
هل عرفتم مصرع حرب بن أميه؟؟ فقد خرج في نفر من قومه فاعترضتهم حية خبيثة فقتلها وكانت من الجن - فجاءت حية أخرى فطالبت بالثأر، وقام بين الفريقين معركة طاحنة قتل فيها حرب، ودفن حيث وافته منيته فقالت فيه الجن.
وقبر حرب بمكان ففر ... وليس قرب قبر حرب قبر!
وهل علمتم أن سيد الخزرج سعد بن عبادة رضي الله عنه أصيب بسهمين قاتلين من الجن ففاضت روحه الكريمة إلى بارئها العظيم؟ ثم رثوه بعد ذلك بشعر نائح! وهل سمعتم أن الغريض غنى بالبادية صوتاً مؤثراً فحسده الجن وقتلوه!؟ وهل تدرون أن أمية بن أبي الصلت تعرض ليهودية من الجن، فبرص أعلاه واسود أسفله. هذا رذاذ من وابل هطال تتدفق به الأساطير!.
إن في هذه الخرافات لمتعة عجيبة، وأخشى أن أدعو إلى تذوقها تذوقا فنياً يكشف عن طرافتها الغريبة، فأجد - في القرن العشرين - من يميل إلى تصديقها من الناس! ولم لا يكون ذلك والغباوة تسير مع الزمن في خطوة السريع!.
رحم الله أيام الطفولة، فقد ملأت مخيلتي بآلاف مولعة من هذه النوادر، وكنت أسمعها في لذة ومتعة، فأترنح من السرور كمن مالت بقامته نشوة السلاف! فأين مضى هذا العهد الحالم، وكيف عصفت به ريح الزمان!!
أقرأ على الوشل السلام وقل له ... كل المشارب مذ هُجرت ذميم