للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

لحياتهم في العصر العباسي كانوا إخوان لهو وسكر وعربدة وهذا ما يحدد حياة الفتوة في ذلك العصر المترف كما توضح معالمها هذه القصص المنشورة في مجلدات الأغاني وغيرها من كتب الأدب وإليك صورة أخرى لحياة الفتوة الخليعة في العصر الأموي، جاء في الأغاني في أخبار الدلال أنه من ظرفاء المدينة في العصر الأموي وكان جميلا حسن البيان، ومن أحضر الناس جوابأ وأحجهم. وكان سليمان بن عبد الملك قد رق له حين خصي غلطاً قال وأن الدلال خرج يوماً مع (فتية من قريش) في نزهة لهم وكان معهم غلام جميل الوجه فأعجبه وعلم القوم بذلك فقالوا قد ظفر نابه بقية يومنا، وكان لا يصبر في مجلس حتى ينقضي وينصرف عنه استثقالا لمحادثة الرجال ومحبة في محادثة النساء فغمزوا الغلام عليه وفطن لذلك فغضب وقام لينصرف فأقسم الغلام عليه والقوم جميعاً فجلس وكان معهم شراب فشربوا وسقوه وحملوا عليه لئلا يبرح ثم سألوه وعلا نعيرهم فنذر بهم (علم) السلطان وتعادت الأشراد (تعادت من العدو وهو سرعة الجري) فأحسوا بالطلي فهربوا وبقى الغلام والدلال وما يطيقان براحاً من السكر فأخذا فأتى بهما أمير المدينة الخ فترى حياة هؤلاء الفتيان حياة تحلل من قيود العرف وتهرب من أحكام الشرائع الأدبية المتعارفة في عصرهم وهذا نموذج لحياة الفتوة في العصر الأموي وإذا تراجعنا للعصر الجاهلي فإن طرفة يحدثنا عن فتوته في معلقته والأعشى في بيتيه المتقدمين وتجد الفتوة إذ ذاك مزيجاً من الطرب والأنس والفروسية والنجدة وقد تكون نجدة وشهامة ورجولة كاملة لا غير كما في أشعار الحماسة التي أوردنا.

ومن هذا ترى أن الفتوة قد اختلف الناس باختلاف العصور والأزمان والبلدان - في فهم معناها ولولا ضيق الوقت لأتينا على عرض تاريخي مفصل للفتوة في الجاهلية وعصور الإسلام. إذ اقتصر حديثنا هذا على استعراض ما عثرنا عليه من النصوص الأدبية الموثوق بها لإثبات دعوانا السابقة من دلالة الفتوة على الشهامة والفروسية والنبل وكمال خصائص الرجولة، وعسى أن ننال ثقة الناقد الكريم وهل ندري هل يزيف شواهدنا أيضاً؟ أم يغضي على مضض وفي الغين قذي وفي الحلق شجا: الحق أن معنى (فتى) قد تجلى ولا غبار بعد اليوم عليه، وقد وضح الصبح لذي عينين والذي استهدفته من إطالة الحديث إعطاء القراء مثلا محسوساً لنقص كتب اللغة وعدم شرحها معاني المفردات كما هي إذ قد

<<  <  ج:
ص:  >  >>