- إنها فرنسية. أليست كذلك!. . إنها من طبقة راقية ألا ترى هذا!. . إنه والله لن يأتي يوم تنال فيه السيدة المصرية ما هي أهله من احترام حتى تعلم أننا نحترمها لأنها مصرية، وأننا حين نراها قد جنحت إلى جنسية أخرى نزدريها لنكولها عن جنسيتها. . لن نحترم السيدة المصرية إلا حين نعلم أن لكل علم تعلمته مكاناً يظهر فيه. . فلو أن هذه السيدة تكلمت بلغة بلادها وأطلقت نفسها على سجيتها، لما كان بها حاجة إلى كل هذا التكلف الذي ارتكبته وركبها فحاد بها عن سلوك السيدة المحترمة. . . قلت:
- لعلها حسبت أن أحداً من الجالسين لا يعرف الفرنسية وأرادت أن تقول لصاحبها سراً.
- ما هذا التخبط: أفهمت مما قالته أنه سر؟ ولم تحسب هي أن الجميع جهلاء ما عداها؟. . وأي سر هذا الذي يقال بأعلى صوت؟. .
- انتهينا. . إذن أنت لا تريد المصريات أن يتعلمن الفرنسية.
- ما رأيتك أكثر لجاجة منك اليوم. . إنني لم أقل ذلك ولا يمكن أن أقوله. . بل إنني أرى أنه يجب عليهن أن يعلمن اللغات، ولا ارتقاء لهن بغير تعلمها. . ولكن يجب عليهن أن يعلمن أن لغتهن الأولى هي العربية، فإذا لم يعرفنها فأولى بهن ألا يتعلمن شيئاً، ويجب أن يعلمن أيضاً. . . أن فخرهن إنما يكون بلغتهن وبعقلهن لا بأنهن يتكلمن الفرنسية. . إن أحداً لن يحترم السيدة المصرية أو تحس باكتمال شخصيتها وعظمة بلادها ولغتها.
كانت حجة صديقي ناصعة بين يديه لم أطق إغفالها، فقلت:
- لا عليك، فأنت على حق يا صديقي. . ولكن هدئ من روعك فإن اليوم قائظ، وأخشى أن تنفجر وأنت تدافع، وأرى صوتك قد ارتفع حتى لتكاد تفعل فعلتها. .
هلم إلى الممشى، وعهد علي ألا أحترم السيدة المصرية إلا لأنها مصرية.