للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

على نضوج هذا الفكر في ذهن المؤلف وتثبته منها وإيمانه بها ولا سيما مقالته (الابتكار في البيان)، ولكن مقالات النوع الثاني الثلاث عشرة فيتاريخ الأدب لا تخلو من غموض واضطراب وتفكك: ففي مقالة (العصر) لم يزد المؤلف على إيراد حقائق التاريخ دون دراسة ولا غربلة ولا استنتاج وفي المقالات الخاصة بالأدباء لم يستطع أن يترجم لواحد منهم ترجمة واضحة ولا أن يرسم له صورة بارزة، ولا أن يربط بين حياته وآثاره ربطاً محكما مع أن كل جهاده انصب على بيان الصلات، بين حياة الأديب وإنتاجه شعراً أو نثراً ومن أجل هذا اهتم اهتماماً خاصاً بحياته.

وهذا المنهج - فيما أرى قاطعاً - أقوم المناهج في دراسة الأدباء والفنانين خاصة والناس عامة، وهو أهدى المناهج وأيسرها لاكتشاف الحقائق الخافية في حياة الإنسان وآثاره على السواء، وحسن الاستقامة عليه كفيل بأن يعصم الباحث من الشطط، وقد عصمه الغلط، فما أفكارنا الخاصة إلا وليدة حياتنا الخاصة: تأخذ عنها وتعطيها، وتتأثر بها وتؤثر فيها. غير أن المؤلف لم يحسن الاستفادة التامة من هذا المنهج الأقوم، وإن استحق التقدير لإيثاره إياه على غيره وصدق نيته في الاستهداء به إن قدرت (الأعمال بالنيات).

ولعل ذلك راجع إلى أن نزعة المؤلف الأدبية سليمة ولكن لا تؤازرها جلسة تاريخية نفادة، وإلى أن ذوقه الفني خير من اطلاعه على حقائق التاريخ وخفايا النفوس وفهمها فهماً علمياً صحيحاً، فإن يكن ذلك فلعل المؤلف منصرف عما خلق له إلى ما خلق، وفي مقالته (الابتكار في البيان) - وهو خير مقالات الكتاب عندي - غنية له عن الإطالة فيما أريد بيانه.

وفي الكتاب أخطاء تاريخية كقوله (ص٥٧ - ٥٨) إن عبد الله بن المقفع ترجم أرسطو. ولا دليل على ذلك وكل ما رجحه الباحثون أخيراً أن المترجم هو محمد بن عبد الله بن المقفع ومن الأخطاء قوله إن النظام اعتزل واصل بن عطاء (شيخ المعتزلة) وقال بتخليد صاحب الكبيرة في النار (ص٦٢) وهذا خطأ من وجهين أحدهما أن واصلا أول قائل بهذا المبدأ وثانيهما أنه مات قبل مولد النظام.

ومنها قوله إن أبا نواس رثى المأمون وقد مات قبل المأمون بنحو عشرين سنة، فلعله يريد الأمين لا المأمون، ومنها (ص٦٢) ذكره الأشعرية في كلامه في القرن (١٣٢ - ٢٣٢هـ)

<<  <  ج:
ص:  >  >>