فعاب طاغور على الهنود جهلهم بمقومات الحياة العصرية، وأنبهم على نفورهم من مشاكل الحياة الاجتماعية، وحثهم على الاندماج في ميدان الحياة العامة، يؤدي كل منهم خدمات تعود على أهله أو الهند أو البشرية بالنفع والفائدة، ما دامت هذه الخدمات لا تخرج على تعاليم الدين أو تهدم قيم الأخلاق. ورغبهم في الاشتغال بالعلوم والفنون، ما دام الاشتغال بها لا يتعارض مع تطهير الروح، أو يعوق خلوصها من الدنس. بل إن العلوم والفنون والأعمال التي يواغثها فاضلة تقود إلى الفناء في الله، وتوصل إلى أعلى درجات الكمال الروحي، فيجب على الهند أن تقلع عن تمسكها بتقاليد قديمة بالية أو هنت من عزيمتها، وتترك جانباً النظرات التشاؤمية التي عاقت سعيها في أي إصلاح، وزعزعت ثقتها في الحياة الأرضية فمهدت لاستعمارها واستغلالها.
وبتحليل طاغور الدقيق للحضارات الهندية والغربية، كشف بذهنه الصافي عن أخطاء الحياة الدولية، وعن مدى تأخرها في الروحية؛ ولكي ينقذها مما هي فيه من فوضى وإثم حرض الهند على رفع مستوى حياتها المادية والفكرية في حدود الأصول الروحية حتى لا تكون فريسة سهلة الاقتناص من جهة، وحتى لا يتفشى فيها وباء المادية وأمراض الحياة الغربية من جهة أخرى؛ وبين للغرب أن الإنسان يمكنه أن يفكر، ويكشف القوانين، ويخترع مختلف الآلات، ويبتكر في الفنون والصناعات، ويحافظ في الوقت نفسه على الميول الخيرة في الطبيعة البشرية، ويكون روحياً غيريا محباً للإنسانية، ويتخذ من علمه وفنه وعمله وسائل متعددة للفناء في الله وفي مختلف أجزاء الوجود. فحول طاغور الأنانية إلى غيرية، وحب سيطرة إلى تعاون وتآلف وتحاب، وحول العلوم والفنون والأعمال إلى إضراب متنوعة من العبادة بأن جعل محراب العلم لا يقل طهارة عن محراب المعبد، وسما بقداسة الفن حتى عادلها بقداسة الدين، واتخذ من العمل المنتج الصالح صلاة ترفع بالإنسان إلى خالقه. واعتبرها جميعاً سبلا طيبة تعمل على بلوغ نمط من الرقي الروحي، ينمحي فيه شعور الفرد بشخصيته، ويغمره إحساس عذب بفناء روحه في ذات الله العليا، ويستولي عليه إدراك عميق بوحدانية الوجود.
وعلى هذه الصورة الرائعة طهر طاغور الفكر الإنساني من أشرار الأنانية، وحب السيطرة، ومن نقائض العزلة الفكرية، ومساوئ تجنب الحياة الاجتماعية والعملية، وأخطار