والكاتب المنشئ حينذاك، كان في الديوان كما يكون الوزير للسلطان.
عاش ابن حجة حينئذ في مصر زمناً. فلم يلهه النعيم بها عن حماة. ولم تسله حاليات أيامه عندها ليالي لهوه ومدارج صباه فطفق يبعث إليها تحية اللهفان، بين الآن والآن. ويحن إليها حنين النيب إلى العطن، والهديل إلى السكن.
ويبدو أنه انتزح عنها في أول أمره انتزاح المضطر الذي دعته الأحداث إلى الاغتراب. فظل حب حماة يساوره أني سار، فلا يفتأ يتغنى بمحاسنها، ويتشوق إلى مغانيها، ويتغزل في مفاتنها ويحن إلى مجانيها.
كتب - وهو بالقاهرة عام ٨٢٠هـ - إلى صديقه ابن البارزي بحماة، قصيدة تفيض بالشكاية والأنين، والشوق والحنين. استغرق ذكر حماة وأهلها أكثر أبياتها. وفي صدرها يقول مخاطباً ريح الصبا الذي يمر بها.
يا طيب الأخبار يا ريح الصبا ... يا من إليه كل صب قد صبا
يا صادق الأنفاس يا أهل الذكا ... يا طاهر الأذيال كم لك من نبا
يا من نراه عبارة عن حاجر ... يا روح نجد مرحباً بك مرحباً
يا نسمة الخير الذي من طيبه ... نتنشق الأخبار عن تلك الربا
بالله إن رنحت ذيلك بالحمى ... ووردت شعباً من دموعي معشباً
وهززت فيه كل عود أراكة ... أضحى بهاتيك الثغور مطيباً
ولثمت من ثغر الأقاحي مبسما ... أبدى بدر الطل ثغراً أشنباً
ودخلت كل خباء زهر قد غدا ... بدموع أجفان الغمام مطنباً
وطرقت حي العامرية ظامئاً ... فنعمت في الوادي برياً زينباً
وحملت من نشر الخزامى نفحة ... مشمولة بالطيب من ذاك الخبا
عج بالعذيب فإن محجر عينه ... أضحة لما حملته مترقباً
واصحب عبير المسك منه فإنه ... لشوارد الغزلان أضحى مشرباً
وإذا تنسمت الشذى وتعطرت ... منك الذيول وطبت يا ريح الصبا
عرج على وادي حماة بسحرة ... متيمما منه صعيداً طيباً
واحمل لنا في طي بردك نشره ... فبغير ذاك الطيب لن نتطيبا