حيث تقل الزراعة ويقل النخيل يجعلون سقوف بيوتهم على شكل القباب. ولا تكاد تجد لبيوتهم أفنية إلا في النادر القليل، وعلى العكس من ذلك المنطقة الجنوبية إذ لا يكاد يخلو بيت من فناء رحب. . .
وأثاث البيوت في العادة هو (العنجريب)، وهو سرير من الخشب والجريد توضع فوقه حشية إذا كان معداً للنوم، أو السجاجيد العجمية الفاخرة إذا كان معداً لجلوس الأضياف، ولا بد من وجود هذه السجاجيد في كثير من البيوت، سواء منها بيت الغني والفقير.
وفي كل بيت الأطباق الصينية والملاعق والأكواب المختلفة بكثرة عجيبة، وهي في الغالب من الأنواع الغالية الثمن، بحيث إذا أعدت المائدة لضيف ما، لا يشعر أبداً أنه في غير القاهرة، بل وفي بيت يهتم بهذه الأدوات ويجعلها في مقدمة ما يعنى به!.
والنوبيون يبالغون في إكرام الضيف، وأول ما يقدمونه له (الفشار) وسط طبق من الخوص وحوله البلح الجاف، فيأكل الضيف من هذا وذاك، ثم يقدم له الشاي، حتى إذا جاء الموعد قام إلى مائدة لا تختلف في تنسيقها ونظامها وما حشد فيها من أنواع اللحوم والطيور والحلوى عن موائدنا الحافلة وولائمنا الفاخرة، وكأنما هيّ هي!.
وإذا كانت بيئة العربي دفعته إلى الكرم والإيثار والبذل عن طواعية ورضا، فإن بيئة النوبي الجافة القاسية، والجرداء المالحة في أكثر أيام العام دفعته إلى العطف الشامل والحب المتبادل لأفراد بيئته الذين يعتبرهم منه بلا خلاف يؤثرهم على نفسه ويخصهم بالنعمة دونه. . . فإذا أقبل المساء خرج من كل بيت ما فيه، واجتمع أهل النجع وتناولوا جميعاً عشاءهم في هدوء واطمئنان، ولا يضير المعدم والحالة هذه ألا يجد ما يخرجه أو يأتي به، بحيث يصيب كل واحد ما يسد جوعته، فلا يبقى من يشكو ألم الجوع أبداً. . .
وذوو المراكز السامية من النوبيين عندما يذهبون إلى بلادهم يتركون في القاهرة ألقابهم وأوسمتهم، ويلقون إلى حين رداء المدنية الخلاب، لأن هذه لا يجوز في شرعة أهليهم وذوي قرباهم الذين لا ينادونهم مهما ارتفعت مكانتهم وسمت منزلتهم بأكثر من أسمائهم المجردة في بساطة وسذاجة بلا تعمل أو تكلف والجميع هناك أهل وأقارب وأولاد عمومة وأبناء خئولة، لا فرق بين الكبير منهم والصغير والعظيم والحقير. . .
وللنوبيين جميعاً ولع بشرب الشاي المركز، فهم لا يشربونه إلا بعد أن تلقى في الماء كمية