في تقاطيعه وطياته من كلمتي (جانم وأمان، يللي ويللالي) ولا جرم أن الموشحات الأندلسية لها قيمتها وروعة معانيها وأنغامها بالنسبة إلى التركية المتداولة المعروفة: وإليك نوعا من هذه الموشحات من النغمة الجهاركاه يُنبئك عن روعة هذا الفن القديم الأندلسي. . .
كللي يا سحب تيجان الربا بالحلي ... واجعلي سوارك منعطف الجدول
يا سما، فيك وفي الأرض نجوم وما ... كلما، أغربت نجماً أشرقت أنجما
وهي ما، تهطل إلا بالطلا والدما ... فاهطلي على قطوف الكرم كي تمتلي
من ظلم، في دولة الحسن إذا ما حكم ... فالسدم، يجول في باطنه والندم
لا أريم، عن شرب صهباء وعن عشق ريم ... فالنعيم، عيش جديد ومدام قديم
أسفرت ليلتنا بالأنس منذ أقمرت ... بشرت بلقا المحبوب واستبشرت
طوِّلي، يا ليلة الوصل ولا تنجلي ... واسلبي سترك فالمحبوب في منزلي
فأين روعة هذا الموشح الأندلسي المقتضب بتصرف من موشحاتنا اليوم. ولو استعرضنا جميع ما تقع عليه العين من الموشحات القديمة لألغيناها من هذا النوع الساحر الأخاذ، وهذا ما حدا بنا إلى الدعوة لإحياء مواتها والعناية بها. فإذا كان الحمولي قد كتب له الخلود فلم يكتب له عن طريق الفنِّ وحده، وإنما كتب له عن طريق التجويد في ابتكار أروع القطعات الأخاذة المعاني، وإليك نموذجاً من أدواره في نغمة الحجاز كار:
الله يصون دولة حسنك ... على الدوام، من غير زوال
ويصون فؤادي من جفنك ... ماضي الحسام، من غير قتال
أشكي لمين غيرك حبك ... أنا العليلي، وأنت الطبيب
أسمح وادويني بقربك ... واصنع جميل، إياك أطيب
وأنا أعرف مغنياً من هذه الطبقة سمعته في حداثتي يدعى محمد سالم، وكان يزيد عمره على المائة سنة، سمعته في حفلة سمر خاصة، وأذكر أن أحد الحاضرين قد استخفه الطرب فقذف بنفسه في نهر يزيد في الربوة بملابسه من شدة ما عراه من الطرب والشجن، وما فتئت إلى الآن أتخيله كالأخطبوط يغوص في النهر يضرب وجهه من غير شعور كأني أشاهده الآن. أما البعض من مطربي هذا العصر فإنك لتهم أن تلقيهم في النهر وتبيدهم