ثم يستجد في حياة الطفل حادث له أهمية كبيرة من حيث الشخصية، وذلك حين يبلغ السادسة من عمره وهي سن التي يغادر فيها (مدرسة الأم) المنزلية ويختلف بغيره من الأطفال في المدارس الأولية، إذ تضطره قوانينها للخضوع كما يشعر بشيء من تلاشي الشخصية وضعفها لحد ما، ويقل تفكيره في (الأنا) وتطغى ظاهرة الخضوع والمطاوعة على ظاهرة الإخضاع ويستمر الحال كذلك إلى أن يبلغ العاشرة من عمره، وهي السن التي يحصل فيها على شئ من التوازن.
بيد أن هذا التوازن لا يدوم طويلا إذ يختل ويضطرب في طور المراهقة الذي يبدأ في نحو العام الثاني عشر إذ تتغلب ظاهرة الإخضاع مرة أخرى ويشعر المراهق بحاجة شديدة لإثبات شخصيته وفرضها على الغير مثل ما يحدث عنده وهو في الثالثة من عمره ولكن بصورة أوضح، وكذلك يمر على طورين:
الطور الأول سلبي: وهو طور العصيان والتمرد، ولكنه تمرد أكثره على المعنويات منه على الناس والأشياء ينتقد فيه آراء غيره، ويتوق إلى الهدم ويخالف العرف كما يجنح إلى (المثالية) كذلك تكثر عنده أحلام (اليقظة).
والطور الثاني إيجابي: يعتني فيه المراهق بهندامه كما يكون شديد الغرور بمحاسنه الجسدية أو المعنوية والرغبة في إظهارها للغير كلما وجد إلى ذلك سبيلا.
اكتمال الشخصية:
لا يمكن للشخصية أن تكتمل إلا إذا تم التوازن في شكل متآزر متناسق بين ما ذكرنا من مظاهرات وانفعالات وصفات، ومن خطأ الرأي أن نعتمد على الطبيعة كل الاعتماد لتهب لنا ذلك التوازن المنشود، بل يجب علينا أن نعينها على أداء وظيفتها بكل ما في وسعنا وهي المسئولية الجسيمة التي تقع على عاتق الوالدين والمربين والمرشدين، فيجب عليهم - والحالة هذه - أن يكونوا أهلا للقيام بها على أحسن وجه.
وليس المجال هنا بمتسع لسرد ما يجب اتباعه حتى ينشأ الطف متزن الشخصية كاملها وبارزها، وقد عالج ذلك علماء التربية الحديثة والاجتماعيون بمقدرة تامة وليدة التجارب والعقل الذكي.