وقال باحث آخر إن جمال ذكور الطيور بأصواتها أو ريشها يلعب دوراً عظيما في الحب النسلي، ولعل للطيور أعظم نصيب من الجمال، فلذلك قلما تتنازع ذكورها بالقتال، وإنما تعتمد في الأكثر على فتنة الإناث بجمال ريشها وألوانه الجميلة، وبعضها يعتمد على الرقص على الأرض أو في الهواء وبعضها يعتمد على الزقزقة والهديل.
وهكذا تعد الطيور على أعظم جانب من الجمال البصري والصوتي ولها ذوق عقلي في الجمال كالإنسان تقريباً، ولذلك يطرب الإنسان بزقزقة العصافير وهديل الطيور، ولكن الطيور المغنية قد تلتجئ إلى العراك للفوز بالإناث.
فقد روى العلامة دارون أن نوعاً من الطيور في الولايات المتحدة يجتمع نحو عشرين من ذكوره في بقعة حيث تتنافس بالزقزقة، وحالما تميل الأنثى لذكر تقتتل الذكور، والأضعف يحيد عن القتال، حتى إذا لم يبق إلا واحد ذهبت الأنثى معه. وقد بلغت مسألة الانتخاب عند الطيور حداً فصيا حتى أن بعضها لا يتزاوج لأن الإناث لم يرقها ذكر من الذكور التي تنافست في إغرائها وإثارة عواطفها.
وروى (جوير) أن مغازلة الطيور تستغرق وقتاً طويلاً وقد ينقضي الفصل كله ولا تنجح الذكور والإناث في إثارة الحب فلا تتزاوج.
ولبعض الطيور حب مبرح بحيث إذا فقد إلفه حزن عليه طويلاً ذكر دارون أن ذكر الببغاء وأنثاه يتعاشقان ويتلازمان طويلاً حتى إذا مات أحدهما أسف الآخر عليه أسفاً شديداً، وإذا قنص أحدهما بقى الآخر مدة طويلة ينادي نداء محزناً.
وللحمام أيضاً ألفة قوية كألفة البشر، فقد لوحظ أن زوجي حمام عادا إلى عشرتهما بعد فراق تسعة أشهر متذكراً كل منهما الآخر. وكثير من الطيور يختار إناثه الذكر الذي تحبه دون سائر الذكور من غير أن تتنازعهما الذكور بقتال.
فقد روى (أودوبون) الذي قضى ردحاً من الزمن في أحراج الولايات المتحدة يدرس طبائع الطيور أن الأنثى لا تقبل على أي ذكر يعرض لها بل تتئذ جداً في اختيار عريسها وتراقب منازلة كل ذكر حتى يروق لها واحد فتذهب معه. وكل ذلك يدلك على أن للطيور ذوقاً حاداً في تمييز الجمال والإعجاب والانفعال به كما أن لها قوة غريبة في التفنن بالمغازلة.